للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّجْمِيعِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ

١٢٢٥ - (عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حِينَ

ــ

[نيل الأوطار]

خُطْبَتِهِ وَتَشَاغَلَ سُلَيْكٌ بِامْتِثَالِ مَا أَمَرَهُ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ، فَصَحَّ أَنَّهُ صَلَّى حَالَ الْخُطْبَةِ.

وَمِنْهَا أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ يَسْقُطُ عَنْهُ التَّحِيَّةُ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ شَرَعَ فِي الْخُطْبَةِ، فَسُقُوطُهَا عَنْ الْمَأْمُومِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ وَهُوَ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ. وَمِنْهَا عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ مِنْ لَدُنْ الصَّحَابَةِ إلَى عَهْدِ مَالِكٍ أَنَّ التَّنَفُّلَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ مَمْنُوعٌ مُطْلَقًا.

قَالَ الْحَافِظُ: وَتُعُقِّبَ بِمَنْعِ اتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَقَدْ ثَبَتَ فِعْلُ التَّحِيَّةِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، رَوَى ذَلِكَ عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَصَحَّحَاهُ وَهُوَ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَحَمَلَهُ عَنْهُ أَصْحَابُهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ صَرِيحًا مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ الْمَنْعِ مُطْلَقًا، فَاعْتِمَادُهُ فِي ذَلِكَ عَلَى رِوَايَاتٍ عَنْهُمْ فِيهَا احْتِمَالٌ، عَلَى أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي فِعْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلَا فِي إجْمَاعِهِمْ عَلَى فَرْضِ ثُبُوتِهِ، كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ

قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ (وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا) فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ التَّخْفِيفِ لِتِلْكَ الصَّلَاةِ لِيَتَفَرَّغَ لِسَمَاعِ الْخُطْبَةِ، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهَا تُشَرِّعُ صَلَاةَ التَّحِيَّةِ حَالَ الْخُطْبَةِ قَوْلُهُ: (فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ) فِيهِ أَنَّ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ حَالَ الْخُطْبَةِ يَقْتَصِرُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَمَفْهُومُهُ يَمْنَعُ مِنْ تَجَاوُزِ الرَّكْعَتَيْنِ بِمُجَرَّدِ خُرُوجِ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ.

وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ قَالَ: «جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ، فَقَالَ لَهُ: أَصَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ؟ قَالَ لَا، قَالَ: فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَرِجَالُ إسْنَادِهِ ثِقَاتٌ. وَقَوْلُهُ: " قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ " يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ سُنَّةٌ لِلْجُمُعَةِ قَبْلهَا وَلَيْسَتَا تَحِيَّةً لِلْمَسْجِدِ اهـ حَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ هَذَا هُوَ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَصَحَّحَهُ الْعِرَاقِيُّ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ.

وَقَدْ ذَهَبَ إلَى مِثْل مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ الْأَوْزَاعِيُّ فَقَالَ: إنْ كَانَ صَلَّى فِي الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ فَلَا يُصَلِّيَ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ صَلَاةِ التَّحِيَّةِ لَا يُجِيزُ التَّنَفُّلَ حَالَ الْخُطْبَةِ مُطْلَقًا. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ: أَيْ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ.

وَفَائِدَةُ الِاسْتِفْهَامِ احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ صَلَّاهَا فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ تَقَدَّمَ لِيَقْرُبَ مِنْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قِصَّة الَّذِي تَخَطَّى، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " أَصَلَّيْتَ الرَّكْعَتَيْنِ " بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَهُوَ لِلْعَهْدِ، وَلَا عَهْدَ هُنَاكَ أَقْرَبَ مِنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>