. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
الرَّكْعَتَيْنِ فِي أَوْقَاتٍ بَيَانًا لِأَنَّ أَقَلَّهَا رَكْعَتَانِ. قَالَ: وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ أَرْبَعًا لِأَنَّهُ أَمَرَنَا بِهِنَّ وَحَثَّنَا عَلَيْهِنَّ. قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَمَا ادَّعَى مِنْ أَنَّهُ مَعْلُومٌ فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ لَيْسَ ذَلِكَ بِمَعْلُومٍ وَلَا مَظْنُونٍ، لِأَنَّ الَّذِي صَحَّ عَنْهُ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ أَمَرَ بِهِ أَنْ يَفْعَلهُ، " وَكَوْنُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُصَلِّي بِمَكَّةَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَرْبَعًا، وَإِذَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ صَلَّى بَعْدهَا رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ، فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ ذَلِكَ " فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ عِلْمٌ وَلَا ظَنٌّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُ بِمَكَّةَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ رَفْعَ فِعْلِهِ بِالْمَدِينَةِ فَحَسْبُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ أَنَّهُ صَلَّى الْجُمُعَةَ بِمَكَّةَ، وَعَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِهِ بِمَكَّةَ مِنْهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ بَلْ نَادِرًا، وَرُبَّمَا كَانَتْ الْخَصَائِص فِي حَقّه بِالتَّخْفِيفِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ: «فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ» الْحَدِيثَ. فَرُبَّمَا لَحِقَهُ تَعَبٌ مِنْ ذَلِكَ فَاقْتَصَرَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ وَكَانَ يُطِيلُهُمَا كَمَا ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ: «وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ» أَيْ الْقِيَامِ، فَلَعَلَّهَا كَانَتْ أَطْوَلَ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ خِفَافٍ أَوْ مُتَوَسِّطَاتٍ انْتَهَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ الْأُمَّةَ أَمْرًا مُخْتَصًّا بِهِمْ بِصَلَاةِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ بَعَدَ الْجُمُعَةِ، وَأَطْلَقَ ذَلِكَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِكَوْنِهَا فِي الْبَيْت، وَاقْتِصَارُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى رَكْعَتَيْنِ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ لَا يُنَافِي مَشْرُوعِيَّةَ الْأَرْبَعِ لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ مِنْ عَدَم الْمُعَارَضَةِ بَيْنَ قَوْلِهِ الْخَاصِّ بِالْأُمَّةِ وَفِعْلِهِ الَّذِي لَمْ يَقْتَرِنْ بِدَلِيلٍ خَاصٍّ يَدُلُّ عَلَى التَّأَسِّي بِهِ فِيهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ تَخْصِيصَهُ لِلْأُمَّةِ بِالْأَمْرِ يَكُونُ مُخَصِّصًا لِأَدِلَّةِ التَّأَسِّي الْعَامَّةِ قَوْلُهُ: (رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ سُنَّةَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ.
وَمِمَّنْ فَعَلَ ذَلِكَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، وَقَدْ حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ. قَالَ الْعِرَاقِيُّ: لَمْ يُرِدْ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بِذَلِكَ إلَّا بَيَانَ أَقَلَّ مَا يُسْتَحَبُّ، وَإِلَّا فَقَدْ اسْتَحَبَّا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، ذَكَرَهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ. وَنَقَلَ ابْنُ قُدَامَةَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: إنْ شَاءَ صَلَّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ شَاءَ صَلَّى أَرْبَعًا.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: وَإِنْ شَاءَ سِتًّا. وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَالنَّخَعِيِّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ يَرَوْنَ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدهَا أَرْبَعًا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَعَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَبِي مُوسَى وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَحُمَيْدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالثَّوْرِيِّ: أَنَّهُ يُصَلِّي سِتَّا، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ.
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْأَرْبَعِ الرَّكَعَاتِ هَلْ تَكُونُ مُتَّصِلَةً بِتَسْلِيمٍ فِي آخِرِهَا أَوْ يُفْصَلُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ بِتَسْلِيمٍ؟ فَذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ: أَهْلُ الرَّأْيِ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَهُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَذَهَبَ إلَى الثَّانِي الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلَاةُ النَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَالظَّاهِرُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ دَلِيلَهُ خَاصٌّ، وَدَلِيلُ الْقَوْلِ الْآخَرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute