١٢٨١ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أَنَّهُمْ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ فِي يَوْمِ عِيدٍ فَصَلَّى بِهِمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْعِيدِ فِي الْمَسْجِدِ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ) .
ــ
[نيل الأوطار]
كَعْبٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ، فَلَوْ عَكَسَ مَا قَالَ لَكَانَ لَهُ اتِّجَاهٌ، وَيَكُونُ سُلُوكُ الطَّرِيقِ الْقَرِيبَةِ لِلْمُبَادَرَةِ إلَى فِعْلِ الطَّاعَةِ وَإِدْرَاكِ الْفَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ. وَقِيلَ: إنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقِفُ فِي الطُّرُقَاتِ فَأَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ فَرِيقَانِ مِنْهُمْ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ: هُوَ فِي مَعْنَى قَوْلِ يَعْقُوبَ لِبَنِيهِ {لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ} [يوسف: ٦٧] وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ حَذَرَ إصَابَةِ الْعَيْنِ.
وَأَشَارَ صَاحِبُ الْهَدْيِ إلَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِجَمِيعِ مَا ذَكَرَ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمُحْتَمَلَةِ الْقَرِيبَةِ. انْتَهَى. كَلَامُ الْفَتْحِ.
الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد وَالْمُنْذِرِيُّ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. انْتَهَى.
وَفِي إسْنَادِهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ وَهُوَ عِيسَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ أَبِي فَرْوَةَ الْفَرْوِيُّ الْمَدَنِيُّ. قَالَ فِيهِ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ: لَا يَكَادُ يُعْرَفُ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: لَا أَعْلَمُ عِيسَى هَذَا مَذْكُورًا فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الرِّجَالِ وَلَا فِي غَيْرِ هَذَا الْإِسْنَادِ.
الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الْخُرُوجِ إلَى الْجَبَّانَةِ وَفِعْلَ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ عُرُوضِ عُذْرِ الْمَطَرِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ هَلْ الْأَفْضَلُ فِعْلُ صَلَاةِ الْعِيدِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ الْجَبَّانَةِ؟ فَذَهَبَتْ الْعِتْرَةُ وَمَالِكٌ إلَى أَنَّ الْخُرُوجَ إلَى الْجَبَّانَةِ أَفْضَلُ. وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا ثَبَتَ مِنْ مُوَاظَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْخُرُوجِ إلَى الصَّحْرَاءِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْإِمَامُ يَحْيَى وَغَيْرُهُمَا إلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ أَفْضَلُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ: " بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَخْرُجُ فِي الْعِيدَيْنِ إلَى الْمُصَلَّى بِالْمَدِينَةِ وَهَكَذَا مَنْ بَعْدَهُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ أَوْ مَطَرٍ وَنَحْوِهِ، وَكَذَا عَامَّةُ أَهْلِ الْبُلْدَانِ إلَّا أَهْلَ مَكَّةَ " ثُمَّ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ سَعَةُ الْمَسْجِدِ وَضِيقُ أَطْرَافِ مَكَّةَ.
قَالَ: فَلَوْ عُمِّرَ بَلَدٌ وَكَانَ مَسْجِدُ أَهْلِهِ يَسَعُهُمْ فِي الْأَعْيَادِ لَمْ أَرَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَسَعْهُمْ كُرِهَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ وَلَا إعَادَةَ. قَالَ الْحَافِظُ: وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الْعِلَّةَ تَدُورُ عَلَى الضِّيقِ وَالسَّعَةِ لَا لِذَاتِ الْخُرُوجِ إلَى الصَّحْرَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ حُصُولُ عُمُومِ الِاجْتِمَاعِ، فَإِذَا حَصَلَ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَوْلَوِيَّتِهِ كَانَ أَوْلَى. انْتَهَى.
وَفِيهِ أَنَّ كَوْنَ الْعِلَّةِ الضِّيقُ وَالسَّعَةُ مُجَرَّدُ تَخْمِينٍ لَا يَنْتَهِضُ لِلِاعْتِذَارِ عَنْ التَّأَسِّي بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخُرُوجِ إلَى الْجَبَّانَةِ بَعْد الِاعْتِرَافِ بِمُوَاظَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال عَلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْعِلَّةُ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ، فَيُجَابُ عَنْهُ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ تَرْكُ الْخُرُوجِ إلَى الْجَبَّانَةِ لِضِيقِ أَطْرَافِ مَكَّةَ