للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

أَنَّهُ لَمَّا كَانَ عُمَرُ وَكَثُرَ النَّاسُ فِي زَمَانِهِ، فَكَانَ إذَا ذَهَبَ لِيَخْطُبَ ذَهَبَ أَكْثَرُ النَّاسِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ وَخَتَمَ بِالصَّلَاةِ، قَالَ: وَهَذَا الْأَثَرُ وَإِنْ كَانَ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ فَهُوَ شَاذٌّ مُخَالِفٌ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُمَرَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَرِوَايَتُهُمَا عَنْهُ أَوْلَى قَالَ: وَأَمَّا رِوَايَةُ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ فَلَمْ أَجِدْ لَهَا إسْنَادًا. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: يُقَالُ: إنَّ أَوَّلَ مَنْ قَدَّمَهَا عُثْمَانُ، وَهُوَ كَذِبٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ. انْتَهَى. وَيَرُدُّهُ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُثْمَانَ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: إنَّهُ رَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ خَطَبَ النَّاسَ قَبْلَ الصَّلَاةِ عُثْمَانُ.

قَالَ الْحَافِظُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ فَعَلَ ذَلِكَ أَحْيَانًا، وَقَالَ بَعْدَ أَنْ سَاقَ الرِّوَايَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ عَنْ عُمَرَ وَعَزَاهَا إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَصَحَّحَ إسْنَادَهَا: إنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ مِنْهُ نَادِرًا.

قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَأَمَّا فِعْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأَمْرٍ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَعَلَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَرَى ذَلِكَ جَائِزًا.

وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ صَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ. وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَرْسَلَ إلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ أَوَّلَ مَا بُويِعَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ لِلصَّلَاةِ يَوْمَ الْفِطْرِ فَلَا تُؤَذِّنْ لَهَا، قَالَ: فَلَمْ يُؤَذِّنْ لَهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ يَوْمَهُ، وَأَرْسَلَ إلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ: إنَّمَا الْخُطْبَةُ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ يُفْعَلُ، قَالَ: فَصَلَّى ابْنُ الزُّبَيْرِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَيُقَالُ: إنَّ أَوَّلَ مَنْ خَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ. انْتَهَى.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ الصَّلَاةِ مَرْوَانُ. وَقِيلَ: أَوَّلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةُ، حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَأَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ: " حَتَّى قَدِمَ مُعَاوِيَةُ فَقَدَّمَ الْخُطْبَةَ " وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ: " أَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ الْخُطْبَةَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فِي الْعِيدِ مُعَاوِيَةُ ". وَقِيلَ: أَوَّلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ زِيَادٌ فِي الْبَصْرَةِ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ، حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَيْضًا. وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ زِيَادٌ بِالْبَصْرَةِ قَالَ: وَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْأَثَرَيْنِ وَأَثَرِ مَرْوَانَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ مَرْوَانَ وَزِيَادٍ كَانَ عَامِلًا لِمُعَاوِيَةَ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ ابْتَدَأَ ذَلِكَ وَتَبِعَهُ عُمَّالُهُ. قَالَ الْعِرَاقِيُّ: الصَّوَابُ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ فَعَلَهُ مَرْوَانُ بِالْمَدِينَةِ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: وَلَمْ يَصِحَّ فِعْلُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ لَا عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ وَلَا مُعَاوِيَةَ وَلَا ابْنِ الزُّبَيْرِ انْتَهَى. وَقَدْ عَرَفْت صِحَّةَ بَعْضِ ذَلِكَ، فَالْمَصِيرُ إلَى الْجَمْعِ أَوْلَى.

وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي صِحَّةِ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ مَعَ تَقَدُّمِ الْخُطْبَةِ، فَفِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهَا. وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: إنَّ ظَاهِرَ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِهَا، قَالَ: وَهُوَ الصَّوَابُ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>