١٢٩٥ - (وَعَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: أَخْرَجَ مَرْوَانُ الْمِنْبَرَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَبَدَأَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا مَرْوَانُ خَالَفْتَ السُّنَّةَ أَخْرَجْتَ الْمِنْبَرَ فِي يَوْمَ عِيدٍ وَلَمْ يَكُنْ يَخْرُجُ فِيهِ، وَبَدَأْتَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ رَأَى مُنْكَرًا فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يُغَيِّرَهُ فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ) .
ــ
[نيل الأوطار]
ذَلِكَ حَتَّى خَرَجْتُ مَعَ مَرْوَانَ وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ، فَلَمَّا أَتَيْنَا الْمُصَلَّى إذْ مِنْبَرٌ بَنَاهُ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ» الْحَدِيثَ.
قَوْلُهُ: (أَخْرَجَ مَرْوَانُ الْمِنْبَرَ. . . إلَخْ) هَذَا يُؤَيِّدُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مَرْوَانَ أَوَّلُ مِنْ فَعَلَ ذَلِكَ. وَوَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِمَالِكٍ. وَرَوَاهُ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ عَنْ أَبِي غَسَّانَ عَنْهُ. قَالَ: أَوَّل مَنْ خَطَبَ النَّاس فِي الْمُصَلَّى عَلَى مِنْبَرٍ: عُثْمَانُ بْنُ عَفَانِ.
قَالَ الْحَافِظُ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّة ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى أَعَادَهُ مَرْوَانُ قَوْلُهُ: (فَبَدَأَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ) قَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذَا فِي بَابِ صَلَاةِ الْعِيدِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ. وَقَدْ اعْتَذَرَ مَرْوَانُ عَنْ فِعْلِهِ لَمَّا قَالَ لَهُ أَبُو سَعِيدٍ: غَيَّرْتُمْ وَاَللَّهِ، كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ بِقَوْلِهِ: " إنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَجْلِسُونَ لَنَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَجَعَلْتُهَا قَبْلَهَا " قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ مَرْوَانَ فَعَلَ ذَلِكَ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُ.
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخِرَ: لَكِنْ قِيلَ: إنَّهُمْ كَانُوا فِي زَمَنِ مَرْوَانَ يَتَعَمَّدُونَ تَرْكَ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ سَبِّ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ السَّبَّ وَالْإِفْرَاطِ فِي مَدْحِ بَعْضِ النَّاسِ، فَعَلَى هَذَا إنَّمَا رَاعَى مَصْلَحَةَ نَفْسِهِ قَوْلُهُ: (فَقَامَ رَجُلٌ) فِي الْمُهِمَّاتِ: أَنَّهُ عُمَارَةُ بْنُ رُوَيْبَةَ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ أَبَا مَسْعُودٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
وَفِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَنَّ أَبَا مَسْعُودٍ أَنْكَرَ عَلَى مَرْوَانَ أَيْضًا، فَيُمْكِنْ أَنْ يَكُونَ الْإِنْكَارُ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ وَقَعَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ثُمَّ تَعَقَّبَهُ الْإِنْكَارُ مِنْ الرَّجُلِ الْمَذْكُورِ.
وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ بِلَفْظِ: " فَإِذَا مَرْوَانُ يُرِيدُ أَنْ يَرْتَقِيَهُ، يَعْنِي الْمِنْبَرَ، قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَجَبَذْتُ بِثَوْبِهِ فَجَذَبَنِي، فَارْتَفَعَ فَخَطَبَ فَقُلْتُ لَهُ: غَيَّرْتُمْ وَاَللَّهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ قَدْ ذَهَبَ مَا تَعْلَمُ، فَقُلْتُ: مَا أَعْلَمُ وَاَللَّهِ خَيْرٌ مِمَّا لَا أَعْلَمُ " وَفِي مُسْلِمٍ " فَإِذَا مَرْوَانُ يُنَازِعُنِي يَدَهُ كَأَنَّهُ يَجُرُّنِي نَحْوَ الْمِنْبَرِ وَأَنَا أَجُرُّهُ نَحْوَ الصَّلَاةِ، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ مِنْهُ قُلْتُ: أَيْنَ الِابْتِدَاءُ بِالصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: لَا يَا أَبَا سَعِيدٍ قَدْ تُرِكَ مَا تَعْلَمُ، فَقُلْت: كَلًّا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَأْتُونَ بِخَيْرٍ مِمَّا أَعْلَمُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute