. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
الْخَوْفِ. فَقَالَ ابْنُ الْقِصَارِ الْمَالِكِيُّ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّاهَا فِي عَشَرَةِ مَوَاطِنَ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّهُ يَبْلُغُ مَجْمُوعُ أَنْوَاعِ صَلَاةِ الْخَوْفِ سِتَّةَ عَشَرَ وَجْهًا كُلُّهَا جَائِزَةٌ.
وَقَالَ الْخَطَّابِيِّ: صَلَاةُ الْخَوْفِ أَنْوَاعٌ صَلَّاهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَيَّامٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَشْكَالٍ مُتَبَايِنَةٍ يَتَحَرَّى فِي كُلِّهَا مَا هُوَ أَحْوَطُ لِلصَّلَاةِ وَأَبْلَغُ فِي الْحِرَاسَةِ، فَهِيَ عَلَى اخْتِلَافِ صُوَرِهَا مُتَّفِقَةَ الْمَعْنَى.
وَسَرَدَ ابْنُ الْمُنْذِرُ فِي صِفَتِهَا ثَمَانِيَةَ أَوْجُهٍ. وَكَذَا ابْنُ حِبَّانَ وَزَادَ تَاسِعًا. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: صَحَّ فِيهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَجْهًا وَبَيَّنَهَا فِي جُزْءِ مُفْرَدٍ.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: فِيهَا رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ أَصَحُّهَا سِتَّ عَشْرَةَ رِوَايَةً مُخْتَلِفَةً وَلَمْ يُبَيِّنْهَا، وَقَدْ بَيَّنَهَا الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَزَادَ وَجْهًا آخَرَ فَصَارَتْ سَبْعَةَ عَشَرَ وَجْهًا. وَقَالَ فِي الْهَدْيِ: أُصُولُهَا سِتُّ صِفَاتٍ، وَأَبْلَغَهَا بَعْضُهُمْ أَكْثَرُ. وَهَؤُلَاءِ كُلَّمَا رَأَوْا اخْتِلَافَ الرُّوَاةِ فِي قِصَّةٍ جَعَلُوا ذَلِكَ وَجْهًا فَصَارَتْ سَبْعَةَ عَشَرَ، لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ تَتَدَاخَلَ أَفْعَالُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ اخْتِلَافِ الرُّوَاةِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَيْضًا: صَلَّاهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ مَرَّةً. وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَبَتَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ سِتَّةُ أَحَادِيثَ أَوْ سَبْعَةٌ، أَيّهَا فَعَلَ الْمَرْءُ جَازَ، وَمَالَ إلَى تَرْجِيحِ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَكَذَا رَجَّحَهُ الشَّافِعِيُّ وَلَمْ يَخْتَرْ إِسْحَاقُ شَيْئًا عَلَى شَيْءٍ، وَبِهِ قَالَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ابْنُ الْمُنْذِرِ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ مَشْرُوعَةٌ الْيَوْمَ كَمَا كَانَتْ، إلَّا أَبَا يُوسُفَ وَالْمُزَنِيِّ فَقَالَا: لَا تُشْرَعُ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى، وَقَالَ بِقَوْلِهِمَا الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ وَاللُّؤْلُئِيُّ مِنْ أَصْحَابِهِ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ عُلَيَّةَ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَاسْتَدَلُّوا بِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} [النساء: ١٠٢] وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ شَرْطَ كَوْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِمْ إنَّمَا وَرَدَ لِبَيَانِ الْحُكْمِ لَا لِوُجُودِهِ. وَالتَّقْدِيرُ: بَيِّنْ لَهُمْ بِفِعْلِكَ لِكَوْنِهِ أَوْضَحَ مِنْ الْقَوْلِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: الشَّرْطُ إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ التَّعْلِيمِ لَا يَكُونُ لَهُ مَفْهُومٌ كَالْخَوْفِ فِي قَوْله تَعَالَى {أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: ١٠١] وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: كَانَ أَبُو يُوسُفَ قَدْ قَالَ مَرَّةً: لَا تُصَلَّى صَلَاةُ الْخَوْفِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَزَعَمَ أَنَّ النَّاسَ إنَّمَا صَلَّوْهَا مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَضْلِ الصَّلَاةِ مَعَهُ. قَالَ وَهَذَا الْقَوْلُ عِنْدنَا لَيْسَ بِشَيْءٍ. اهـ.
وَأَيْضًا الْأَصْلُ تَسَاوِي الْأُمَّةَ فِي الْأَحْكَامِ الْمَشْرُوعَةِ فَلَا يُقْبَلُ التَّخْصِيصُ بِقَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَاحْتَجَّ عَلَيْهِمْ الْجُمْهُورُ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى فِعْلِ هَذِهِ الصَّلَاةِ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَعُمُومُ مَنْطُوقِ هَذَا الْحَدِيثِ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَلِكَ الْمَفْهُومِ.
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ فِي الْحَضَرِ، فَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ وَالْهَادَوِيَّةُ وَأَجَازَهُ الْبَاقُونَ احْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: ١٠١] وَرُدَّ بِمَا تَقَدَّمَ فِي أَبْوَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ، وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَفْعَلهَا إلَّا فِي سَفَرٍ. وَرُدَّ بِأَنَّ اعْتِبَارَ