للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

وَاسْتَثْنَتْ الْحَنَفِيَّةُ أَوْقَاتَ الْكَرَاهَةِ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَعَنْ الْمَالِكِيَّةِ: وَقْتُهَا مِنْ وَقْتِ حَلَّ النَّافِلَةِ إلَى الزَّوَالِ.

وَفِي رِوَايَةٍ " إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ ". وَرَجَحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ إيقَاعُ هَذِهِ الْعِبَادَةِ قَبْلَ الِانْجِلَاءِ، وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا لَا تُقْضَى بَعْدَهُ، فَلَوْ انْحَصَرَتْ فِي وَقْتٍ لَأَمْكَنَ الِانْجِلَاءُ قَبْلَهُ فَيَفُوتُ الْمَقْصُودُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَمْ أَقِفْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الطُّرُقِ مَعَ كَثْرَتِهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّاهَا إلَّا ضُحَى لَكِنْ ذَلِكَ وَقَعَ اتِّفَاقًا فَلَا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ مَا عَدَاهُ، وَاتَّفَقَتْ الطُّرُقُ عَلَى أَنَّهُ بَادَرَ إلَيْهَا انْتَهَى.

قَوْلُهُ: (نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ) فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسَرَّ بِالْقِرَاءَةِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ) فِيهِ أَنَّ الْقِيَامَ الْأَوَّلَ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَطْوَلُ مِنْ الْقِيَامِ الثَّانِي مِنْهَا، وَكَذَا الرُّكُوعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي مِنْهَا لَقَوْلِهِ: " وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ". قَالَ النَّوَوِيُّ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْقِيَامَ الثَّانِي وَرُكُوعَهُ فِيهِمَا أَقْصَرُ مِنْ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ وَرُكُوعِهِ فِيهِمَا، قَوْلُهُ: (ثُمَّ سَجَدَ) أَيْ سَجْدَتَيْنِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ) فِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ: إنَّ الْقِيَامَ الْأَوَّلَ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ يَكُونُ دُونَ الْقِيَامِ الثَّانِي مِنْ الرَّكْعَة الْأُولَى.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: إنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الرَّكْعَةَ الْأُولَى بِقِيَامِهَا وَرُكُوعِهَا تَكُونُ أَطْوَلُ مِنْ الرَّكْعَة الثَّانِيَة بِقِيَامِهَا وَرُكُوعِهَا، قَوْلُهُ: (ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا. . . إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ يُشْرَعُ تَطْوِيلُ الْقِيَامَيْنِ وَالرُّكُوعَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ، وَقَدْ وَرَدَ تَقْدِيرُ الْقِيَامِ فِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةِ آلِ عُمْرَانَ كَمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد.

وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ الْقِيَامَ الثَّانِيَ دُونَ الْأَوَّلِ كَمَا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَكَذَلِكَ الرُّكُوعُ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ حِكَايَةُ النَّوَوِيِّ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى ذَلِكَ. وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْبَابِ تَدُلّ عَلَى أَنَّ الْمَشْرُوعَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ رَكْعَتَانِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صِفَتِهَا بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ كَمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَالْمَهْدِيُّ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرُهُمَا.

فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهَا رَكْعَتَانِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ، وَهِيَ الصِّفَةُ الَّتِي وَرَدَتْ بِهَا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْبَابِ وَغَيْرِهَا. وَحُكِيَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْعِتْرَةِ جَمِيعًا أَنَّهَا رَكْعَتَانِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ خَمْسَةُ رُكُوعَاتٍ. وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِحَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَسَيَأْتِي. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالنَّخَعِيِّ: إنَّهَا رَكْعَتَانِ كَسَائِرِ النَّوَافِلِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعٌ وَاحِدٌ، وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الْكُوفِيِّينَ.

وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ النُّعْمَانِ وَسَمُرَةَ الْآتِيَيْنِ. وَقَالَ حُذَيْفَةُ: فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثَةُ رُكُوعَاتٍ. وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَسَتَأْتِي. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَقَدْ قَالَ بِكُلِّ نَوْعٍ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ.

وَحَكَى النَّوَوِيُّ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ قَالَ: أَصَحُّ مَا فِي الْبَابِ رُكُوعَانِ، وَمَا خَالَفَ ذَلِكَ فَمُعَلَّلٌ أَوْ ضَعِيفٌ، وَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْهَدْيِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعُدُّونَ الزِّيَادَةَ عَلَى الرُّكُوعَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ غَلَطًا مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ طُرُقِ الْحَدِيثِ يُمْكِنُ رَدُّ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>