للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٣٤٨ - (وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَسُئِلَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ فَقَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَوَاضِعًا مُتَبَذِّلًا مُتَخَشِّعًا مُتَضَرِّعًا، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي فِي

ــ

[نيل الأوطار]

كَخُطْبَتِكُمْ " وَهُوَ غَفْلَةٌ عَنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ، وَابْنُ عَبَّاسٍ إنَّمَا نَفَى وُقُوعَ خُطْبَةٍ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُشَابِهَةٍ لِخُطْبَةِ الْمُخَاطَبِينَ، وَلَمْ يَنْفِ وُقُوعَ مُطْلَقِ الْخُطْبَةِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي سَتَأْتِي مِنْ حَدِيثِهِ " أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَقِيَ الْمِنْبَرَ ".

وَقَدْ دَلَّتْ الْأَحَادِيثُ الْكَثِيرَةُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ، وَبِذَلِكَ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ إلَّا أَبُو حَنِيفَةَ مُسْتَدِلًّا بِأَحَادِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا صَلَاةٌ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِالْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الِاسْتِسْقَاءَ رَكْعَتَيْنِ " وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الزِّيَادَةِ الَّتِي لَمْ تَقَعْ مُنَافِيَةً فَلَا مَعْذِرَةَ عَنْ قَبُولِهَا، وَقَدْ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ مِنْ الْمُثْبِتِينَ لِلصَّلَاةِ عَلَى أَنَّهَا رَكْعَتَانِ كَمَا حَكَى ذَلِكَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَالْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لِلتَّصْرِيحِ بِذَلِكَ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ قَالَ الْهَادِي: إنَّهَا أَرْبَعٌ بِتَسْلِيمَتَيْنِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَسْقَى فِي الْجُمُعَةِ وَهِيَ بِالْخُطْبَةِ أَرْبَعٌ، وَنَصَبَ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ عَنْ الدَّلَالَةِ عَلَى مَطْلُوبِ الْمُسْتَدِلِّ بِمَرَاحِلَ فِي مُقَابَلَةِ الْأَدِلَّةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ مِنْ الْغَرَائِبِ الَّتِي يُتَعَجَّبُ مِنْهَا وَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ أَيْضًا بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ كَمَا حَكَى ذَلِكَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَاخْتُلِفَ فِي صِفَةِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ؛ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ.

وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ يُكَبَّرُ فِيهَا كَتَكْبِيرِ الْعِيدِ، وَبِهِ قَالَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَمَكْحُولٌ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: إنَّهُ لَا تَكْبِيرَ فِيهَا. وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةَ عَنْ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ دَاوُد: إنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَتَرْكِهِ. اسْتَدَلَّ الْأَوَّلُونَ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْآتِي بِلَفْظِ «فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي فِي الْعِيدِ» وَتَأَوَّلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ كَصَلَاةِ الْعِيدِ فِي الْعَدَدِ وَالْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ وَكَوْنِهَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ. وَقَدْ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يُكَبَّرُ فِيهَا سَبْعًا وَخَمْسًا كَالْعِيدِ، وَأَنَّهُ يَقْرَأُ فِيهَا: بِسَبِّحْ، وَهَلْ أَتَاكَ وَفِي إسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ الزُّهْرِيُّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ وَيُحَوِّلَ ظَهْرَهُ إلَى النَّاسِ وَيُحَوِّلَ رِدَاءَهُ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: (جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: أَجْمَعُوا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ، وَكَذَلِكَ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْجَهْرِ ابْنُ بَطَّالٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>