. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
الْمُصَنِّفُ وَمِنْهَا أَلْفَاظٌ أُخَرَ، وَقَدْ سَبَقَ بَعْضُهَا فِي بَابِ صِفَةِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ، وَرِجَالُ أَبِي دَاوُد رِجَالُ الصَّحِيحِ قَوْلُهُ: (ثُمَّ تَحَوَّلَ إلَى الْقِبْلَةِ) فِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ " ثُمَّ حَوَّلَ إلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ " فِيهِ اسْتِحْبَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ حَالَ تَحْوِيلِ الرِّدَاءِ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ وَمَحَلُّ هَذَا التَّحْوِيلِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْخُطْبَةِ وَإِرَادَةِ الدُّعَاءِ كَمَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ: (وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ) ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ طُولَ رِدَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ سِتَّةَ أَذْرُعٍ فِي عَرْضِ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ، وَطُولَ إزَارِهِ أَرْبَعَةَ أَذْرُعٍ وَشِبْرٍ فِي ذِرَاعَيْنِ وَشِبْرٍ. انْتَهَى.
وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَوَّلَ رِدَاءَهُ، وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ قَلَبَهُ، وَفُسِّرَ التَّحْوِيلُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِالْقَلْبِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَمَا قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ وَاخْتُلِفَ فِي حِكْمَةِ التَّحْوِيلِ؛ فَجَزَمَ الْمُهَلَّبُ أَنَّهُ لِلتَّفَاؤُلِ بِتَحْوِيلِ الْحَالِ عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْفَأْلِ أَنْ لَا يُقْصَدَ إلَيْهِ قَالَ: وَإِنَّمَا التَّحْوِيلُ أَمَارَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ قِيلَ لَهُ: حَوِّلْ رِدَاءَك لِتُحَوِّلَ حَالَكَ قَالَ الْحَافِظُ: وَتَعَقَّبَ بِأَنَّ الَّذِي جَزَمَ بِهِ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ، وَاَلَّذِي رَدَّهُ وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ، وَرَجَّحَ الدَّارَقُطْنِيّ إرْسَالَهُ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْقَوْلِ بِالظَّنِّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا حَوَّلَ رِدَاءَهُ لِيَكُونَ أَثْبَتَ عَلَى عَاتِقِهِ عِنْدَ رَفْعِ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ فَلَا يَكُونُ سُنَّةً فِي كُلِّ حَالٍ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّحْوِيلَ مِنْ جِهَةٍ إلَى جِهَةٍ لَا يَقْتَضِي الثُّبُوتَ عَلَى الْعَاتِقِ، فَالْحَمْلُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَوْلَى، فَإِنَّ الِاتِّبَاعَ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ بِرَدِّ احْتِمَالِ الْخُصُوصِ انْتَهَى وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي صِفَةِ التَّحْوِيلِ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ: هُوَ جَعْلُ الْأَسْفَلِ أَعْلَى مَعَ التَّحْوِيلِ. وَرَوَى الْقُرْطُبِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ اخْتَارَ فِي الْجَدِيدِ تَنْكِيسَ الرِّدَاءِ لَا تَحْوِيلَهُ، وَاَلَّذِي فِي الْأُمِّ هُوَ الْأَوَّلُ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى اسْتِحْبَابِ التَّحْوِيلِ فَقَطْ.
وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ بِهَمِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَلْبِ الْخَمِيصَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَعْ ذَلِكَ إلَّا لِثِقَلِهَا كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا رَيْبَ أَنَّ الَّذِي اسْتَحَبَّهُ الشَّافِعِيُّ أَحْوَطُ انْتَهَى وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ اخْتَارَ الْجَمْعَ بَيْنَ التَّحْوِيلِ وَالتَّنْكِيسِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِذَا كَانَ مَذْهَبُهُ مَا رَوَاهُ عَنْهُ الْقُرْطُبِيُّ فَلَيْسَ بِأَحْوَطَ. وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ حَدِيثِ الْبَابِ: " فَجَعَلَ عِطَافَهُ الْأَيْمَنَ. . . إلَخْ " وَبِقَوْلِهِ: " فَقَلَبَهَا الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَيْسَرِ. . . إلَخْ " قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي صِفَةِ التَّحْوِيلِ: أَوْ يَجْعَلُ الْبَاطِنَ ظَاهِرًا، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ: " فَقَلَبَهُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ " أَيْ جَعَلَ ظَاهِرَهُ بَاطِنًا وَبَاطِنَهُ ظَاهِرًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: إنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَخَالَفَهُمْ الْجُمْهُورُ. قَوْلُهُ: (وَتَحَوَّلَ النَّاسُ مَعَهُ) هَكَذَا رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ بِلَفْظِ " وَحَوَّلَ " وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ اسْتِحْبَابِ تَحْوِيلِ النَّاسِ بِتَحْوِيلِ الْإِمَامِ.
وَقَالَ اللَّيْثُ وَأَبُو يُوسُفَ: يُحَوِّلُ الْإِمَامُ وَحْدَهُ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: " وَيُحَوِّلُ النَّاسُ " أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute