بَابُ مَا جَاءَ فِي غُسْلِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ
١٣٨٠ - (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «رَجَعَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ جِنَازَةٍ بِالْبَقِيعِ وَأَنَا أَجِدُ صُدَاعًا فِي رَأْسِي وَأَقُولُ: وَارَأْسَاهُ، فَقَالَ: بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهُ، مَا ضَرَّكِ لَوْ مِتِّ قَبْلِي فَغَسَّلْتُكِ وَكَفَّنْتُكِ، ثُمَّ صَلَّيْتُ عَلَيْكِ وَدَفَنْتُكِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ)
ــ
[نيل الأوطار]
حَكَى الْمَهْدِيُّ فِي الْبَحْرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ غُسْلَ الْمَيِّت وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَكَذَلِكَ حَكَى الْإِجْمَاعَ النَّوَوِيُّ وَنَاقَشَ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ صَاحِبُ ضَوْءِ النَّهَارِ مُنَاقَشَةً وَاهِيَةً. حَاصِلُهَا أَنَّهُ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ إلَّا أَحَادِيثُ الْفِعْلِ وَهِيَ لَا تُفِيدُ الْوُجُوبَ.
وَأَحَادِيثُ الْأَمْرِ بِغُسْلِ الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ، وَأَمَرَ بِغُسْلِ ابْنَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَمْرُ مُخْتَلَفٌ فِي كَوْنِهِ لِلْوُجُوبِ أَوْ لِلنَّدْبِ، وَرُدَّ كَلَامُهُ بِأَنَّهُ إنْ ثَبَتَ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْوُجُوبِ فَلَا يَضُرُّ جَهْلُ الْمُسْتَنِدِ. وَيُرَدُّ أَيْضًا بِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي كَوْنِ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ لَا يَسْتَلْزِمُ الِاخْتِلَافَ فِي كُلِّ مَأْمُورٍ بِهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا شَهِدَتْ لِبَعْضِ الْأَوَامِرِ قَرَائِنُ يُسْتَفَادُ مِنْهَا وُجُوبُهُ، وَهَذَا مِمَّا لَا يُخَالِفُ فِيهِ الْقَائِلُ بِأَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ لِلْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ، الْأَمْرُ الْمُجَرَّدُ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ نَعَمْ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَدْ نَقَلَ النَّوَوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ غُسْلَ الْمَيِّتِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَهُوَ ذُهُولٌ شَدِيدٌ، فَإِنَّ الْخِلَافَ مَشْهُورٌ جِدًّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْقُرْطُبِيَّ رَجَّحَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَلَكِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى وُجُوبِهِ وَقَدْ رَدَّ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَلَى مَنْ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ وَقَالَ: قَدْ تَوَارَدَ بِهِ الْقَوْلُ وَالْعَمَلُ. انْتَهَى.
وَهَكَذَا فَلْيَكُنْ التَّعَقُّبُ لِدَعْوَى الْإِجْمَاعِ قَوْلُهُ: (إنَّ كَسْرَ عَظْمِ الْمَيِّتِ) . . . إلَخْ، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الرِّفْقِ بِالْمَيِّتِ فِي غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَحَمْلِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَشْبِيهَ كَسْرِ عَظْمِهِ بِكَسْرِ عَظْمِ الْحَيِّ إنْ كَانَ فِي الْإِثْمِ فَلَا شَكَّ فِي التَّحْرِيمِ، وَإِنْ كَانَ فِي التَّأَلُّمِ فَكَمَا يَحْرُمُ تَأْلِيمُ الْحَيِّ يَحْرُمُ تَأْلِيمُ الْمَيِّتِ، وَقَدْ زَادَ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ لَفْظَ " فِي الْإِثْمِ "، فَيَتَعَيَّنُ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ.
قَوْلُهُ: (مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) فِيهِ التَّرْغِيبُ فِي سَتْرِ عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِ وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِهِ سَتْرُ مَا يَرَاهُ الْغَاسِلُ وَنَحْوُهُ مِنْ الْمَيِّتِ وَكَرَاهَةُ إفْشَائِهِ وَالتَّحَدُّثِ بِهِ، وَأَيْضًا قَدْ صَحَّ أَنَّ الْغِيبَةَ هِيَ ذِكْرُكَ لِأَخِيكَ بِمَا يَكْرَهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَخِ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَيِّتَ يَكْرَهُ أَنْ يُذْكَرَ بِشَيْءٍ مِنْ عُيُوبِهِ الَّتِي تَظْهَرُ حَالَ مَوْتِهِ، فَيَكُونُ عَلَى هَذَا ذِكْرُهَا مُحَرَّمًا، وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا فِي بَابِ الْكَفِّ عَنْ ذِكْرِ مَسَاوِئِ الْأَمْوَاتِ. قَوْلُهُ: (وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ آدَمَ. . . إلَخْ) سَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي تَفَاصِيلِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ هَذَا فِي أَبْوَابِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute