للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ اسْتِحْبَابِ إحْسَانِ الْكَفَنِ مِنْ غَيْرِ مُغَالَاةٍ

١٣٨٩ - (عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا وَلِيَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ)

١٣٩٠ - (وَعَنْ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ يَوْمًا فَذَكَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ قُبِضَ فَكُفِّنَ

ــ

[نيل الأوطار]

بُرْدَةٌ مِنْ صُوفٍ يَلْبَسُهَا الْأَعْرَابُ كَذَا فِي الْقَامُوسِ: قَوْلُهُ: (فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُغَطِّيَ بِهَا رَأْسَهُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا ضَاقَ الْكَفَنُ عَنْ سِتْرِ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَلَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ جُعِلَ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ وَجُعِلَ النَّقْصُ مِمَّا يَلِي الرِّجْلَيْنِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: فَإِنْ ضَاقَ عَنْ ذَلِكَ سُتِرَتْ الْعَوْرَةُ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ جُعِلَ فَوْقَهَا، وَإِنْ ضَاقَ عَنْ الْعَوْرَةِ سُتِرَتْ السَّوْأَتَانِ؛ لِأَنَّهُمَا أَهَمُّ وَهُمَا الْأَصْلُ فِي الْعَوْرَةِ قَالَ: وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْكَفَنِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فَقَطْ، وَلَا يَجِبُ اسْتِيعَابُ الْبَدَنِ عِنْدَ التَّمَكُّنِ فَإِنْ قِيلَ: لَمْ يَكُونُوا مُتَمَكِّنِينَ مِنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ لِقَوْلِهِ: لَمْ يُوجَدْ لَهُ غَيْرُهَا، فَجَوَابُهُ أَنَّ مَعْنَاهُ لَمْ يُوجَدْ مِمَّا يَمْلِكُهُ الْمَيِّتُ إلَّا نَمِرَةٌ، وَلَوْ كَانَ سَتْرُ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَاجِبًا لَوَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْحَاضِرِينَ تَتْمِيمُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَرِيبٌ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، فَإِنْ كَانَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ: كَانُوا عَاجِزِينَ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَضِيَّةَ جَرَتْ يَوْمَ أُحُدٍ وَقَدْ كَثُرَتْ الْقَتْلَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَاشْتَغَلُوا بِهِمْ وَبِالْخَوْفِ مِنْ الْعَدُوِّ عَنْ ذَلِكَ. وَجَوَابُهُ أَنَّهُ يَبْعُدُ مِنْ حَالِ الْحَاضِرِينَ الْمُتَوَلِّينَ دَفْنَهُ أَنْ لَا يَكُونَ مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قِطْعَةٌ مِنْ ثَوْبٍ وَنَحْوِهَا انْتَهَى.

وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثَيْنِ عَلَى أَنَّ الْكَفَنَ يَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِالتَّكْفِينِ فِي النَّمِرَةِ وَلَا مَالَ غَيْرَهَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: قَالَ بِذَلِكَ جَمِيعُ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَّا رِوَايَةً شَاذَّةً عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو وَقَالَ: الْكَفَنُ مِنْ الثُّلُثِ وَعَنْ طَاوُسٍ قَالَ: مِنْ الثُّلُثِ إنْ كَانَ قَلِيلًا وَحَكَى فِي الْبَحْرِ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَطَاوُسٍ أَنَّهُ مِنْ الثُّلُثِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا قَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ " أَنَّ الْكَفَنَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ " وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَحَكَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ مُنْكَرٌ، وَقَدْ أَخْرَجَهُمَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ.

قَوْلُهُ: (وَتَجْعَلُ عَلَى رِجْلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الْإِذْخِرِ) فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إذَا لَمْ يُوجَدْ سَاتِرٌ أَلْبَتَّةَ لِبَعْضِ الْبَدَنِ أَوْ لِكُلِّهِ أَنْ يُغَطَّى بِالْإِذْخِرِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَمَا تَيَسَّرَ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ وَقَدْ كَانَ الْإِذْخِرُ مُسْتَعْمَلًا لِذَلِكَ عِنْدَ الْعَرَبِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْعَبَّاسِ: إلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِبُيُوتِنَا وَقُبُورِنَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>