بَابُ صِفَةُ الْكَفَنِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ
١٣٩٢ - (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ: قَمِيصِهِ الَّذِي
ــ
[نيل الأوطار]
خَلَقٌ؟ قَالَ: إنَّ الْحَيَّ أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ مِنْ الْمَيِّتِ إنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَةِ مُخْتَصَرٌ مِنْ الْبُخَارِيِّ) قَوْلُهُ: (بِهِ رَدْعٌ) بِسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ: أَيْ لَطْخٌ لَمْ يَعُمَّهُ كُلَّهُ.
قَوْلُهُ: (وَزِيدُوا عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ) فِي رِوَايَةٍ " جَدِيدَيْنِ ". قَوْلُهُ: (فَكَفِّنُونِي فِيهَا) رِوَايَةَ أَبِي ذَرٍّ فِيهِمَا " وَفَسَّرَ الْحَافِظُ ضَمِيرَ الْمُثَنَّى بِالْمَزِيدِ وَالْمَزِيدِ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ " فِيهَا " كَمَا وَقَعَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: (خَلَقٌ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ: أَيْ غَيْرُ جَدِيدٍ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ سَعْدٍ " أَلَا تَجْعَلُهَا جُدُدًا كُلَّهَا؟ قَالَ: لَا " وَظَاهِرُهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَرَى عَدَمَ الْمُغَالَاةِ فِي الْأَكْفَانِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ " إنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَةِ ".
وَرَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَرْفُوعًا «لَا تُغَالُوا فِي الْكَفَنِ فَإِنَّهُ يُسْلَبُ سَرِيعًا» وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ جَابِرٍ فِي الْأَمْرِ بِتَحْسِينِ الْكَفَنِ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ التَّحْسِينِ عَلَى الصِّفَةِ وَحَمْلِ الْمُغَالَاةِ عَلَى الثَّمَنِ وَقِيلَ: التَّحْسِينُ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ، فَإِذَا أَوْصَى بِتَرْكِهِ اُتُّبِعَ كَمَا فَعَلَ الصِّدِّيقُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اخْتَارَ ذَلِكَ الثَّوْبَ بِعَيْنِهِ لِمَعْنًى فِيهِ مِنْ التَّبَرُّكِ لِكَوْنِهِ صَارَ إلَيْهِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لِكَوْنِهِ قَدْ كَانَ جَاهَدَ فِيهِ أَوْ تَعَبَّدَ فِيهِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: " كَفِّنُونِي فِي ثَوْبَيَّ اللَّذَيْنِ كُنْتُ أُصَلِّي فِيهِمَا.
قَوْلُهُ: (إنَّمَا هُوَ أَيْ: الْكَفَنُ لِلْمُهْلَةِ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: رُوِيَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا، وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْخَلِيلُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: هُوَ بِالْكَسْرِ: الصَّدِيدُ، وَبِالْفَتْحِ: التَّمَهُّلُ وَبِالضَّمِّ: عَكِرُ الزَّيْتِ، وَالْمُرَادُ هُنَا الصَّدِيدُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: " وَإِنَّمَا هُوَ أَيْ الْجَدِيدُ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْمُهْلَةُ عَلَى هَذَا التَّمَهُّلِ: أَيْ الْجَدِيدِ لِمَنْ يُرِيدُ الْبَقَاءَ قَالَ الْحَافِظُ: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَفِي هَذَا الْأَثَرِ اسْتِحْبَابُ التَّكْفِينِ فِي ثَلَاثَةِ أَكْفَانٍ، وَجَوَازُ التَّكْفِينِ فِي الثِّيَابِ الْمَغْسُولَةِ وَإِيثَارِ الْحَيِّ بِالْجَدِيدِ.
وَيَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ أَنْ يَكُونَ الْكَفَنُ جَدِيدًا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ دَعَا بِثِيَابٍ جُدُدٍ فَلَبِسَهَا ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّ الْمَيِّتَ يُبْعَثُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا» وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ بِدُونِ الْقِصَّةِ، وَقَالَ: أَرَادَ بِذَلِكَ أَعْمَالَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: ٤] يُرِيدُ وَعَمَلَكَ فَأَصْلِحْهُ. قَالَ: وَالْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ صَرِيحَةٌ أَنَّ النَّاسَ يُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً وَحَكَى الْخَطَّابِيِّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ يُبْعَثُ فِي ثِيَابِهِ ثُمَّ يُحْشَرُ عُرْيَانًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute