. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
الْمَصِيرَ إلَى حَمْلِ الصَّلَاةِ عَلَى حَقِيقَتِهَا الشَّرْعِيَّةِ وَهِيَ ذَاتُ الْأَذْكَارِ وَالْأَرْكَانِ، وَدَعْوَى أَنَّهَا وَاقِعَةُ عَيْنٍ لَا عُمُومَ لَهَا يَرُدُّهَا أَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا ثَبَتَ لِوَاحِدٍ أَوْ لِجَمَاعَةٍ فِي عَصْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُبُوتُهُ لِلْغَيْرِ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ مُعَارَضَةُ هَذِهِ الدَّعْوَى بِمِثْلِهَا فَيُقَالُ: تَرْكُ الصَّلَاةِ عَلَى الشُّهَدَاءِ فِي يَوْمِ أُحُدٍ وَاقِعَةُ عَيْنٍ لَا عُمُومَ لَهَا، فَلَا تَصْلُحُ لَلِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى مُطْلَقِ التَّرْكِ بَعْدَ ثُبُوتِ مُطْلَقِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ، وَوُقُوعِ الصَّلَاةِ مِنْهُ عَلَى خُصُوصِ الشَّهِيدِ فِي غَيْرِهَا كَمَا فِي حَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ وَأَبِي سَلَامٍ.
وَإِنَّمَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ قَبْلَ دَفْنِهِمْ. فَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْأَخْبَارَ جَاءَتْ كَأَنَّهَا عِيَانٌ مِنْ وُجُوهٍ مُتَوَاتِرَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصَلِّ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ. قَالَ: وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَيْهِمْ وَكَبَّرَ عَلَى حَمْزَةَ سَبْعِينَ تَكْبِيرَةً لَا يَصِحُّ، وَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لِمَنْ عَارَضَ بِذَلِكَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ أَنْ يَسْتَحِيَ عَلَى نَفْسِهِ اهـ. وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ تِلْكَ الْحَالَةَ الضَّيِّقَةَ لَا تَتَّسِعُ لِسَبْعِينَ صَلَاةً وَبِأَنَّهَا مُضْطَرِبَةٌ، وَبِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الصَّلَاةِ؛ وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّهَا رُوِيَتْ مِنْ طُرُقٍ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَضِيقُ تِلْكَ الْحَالَةِ لَا يَمْنَعُ مِنْ إيقَاعِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهَا لَوْ ضَاقَتْ عَنْ الصَّلَاةِ لَكَانَ ضِيقُهَا عَنْ الدَّفْنِ أَوْلَى
وَدَعْوَى الِاضْطِرَابِ غَيْرُ قَادِحَةٍ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الطُّرُقِ قَدْ أَثْبَتَتْ الصَّلَاةَ وَهِيَ مَحَلُّ النِّزَاعِ، وَدَعْوَى أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الصَّلَاةِ مُسَلَّمَةٌ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ. وَأَمَّا بَعْدَ وُرُودِهِ فَالْأَصْلُ الصَّلَاةُ عَلَى مُطْلَقِ الْمَيِّتِ وَالتَّخْصِيصُ مَمْنُوعٌ. وَأَيْضًا أَحَادِيثُ الصَّلَاةِ قَدْ شَدَّ مِنْ عَضُدِهَا كَوْنُهَا مُثْبَتَةً وَالْإِثْبَاتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّفْيِ، وَهَذَا مُرَجَّحٌ مُعْتَبَرٌ، وَالْقَدْحُ فِي اعْتِبَارِهِ فِي الْمَقَامِ يُبْعِدُ غَفْلَةَ الصَّحَابَةِ عَنْ إيقَاعِ الصَّلَاةِ عَلَى أُولَئِكَ الشُّهَدَاءِ مُعَارَضٌ بِمِثْلِهِ وَهُوَ يُبْعِدُ غَفْلَةَ الصَّحَابَةِ عَنْ التَّرْكِ الْوَاقِعِ عَلَى خِلَافِ مَا كَانَ ثَابِتًا عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْأَمْوَاتِ، فَكَيْفَ يُرَجَّحُ نَاقِلُهُ وَهُوَ أَقَلُّ عَدَدًا مِنْ نَقَلَةِ الْإِثْبَاتِ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةُ الْغُفُولِ عَنْهُ لِكَوْنِهِ وَاقِعًا عَلَى مُقْتَضَى عَادَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى مُطْلَقِ الْمَيِّتِ، وَمِنْ مُرَجَّحَاتِ الْإِثْبَاتِ الْخَاصَّةِ بِهَذَا الْمَقَامِ أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ النَّفْيَ إلَّا أَنَسٌ وَجَابِرٌ، وَأَنَسٌ عِنْدَ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ مِنْ صِغَارِ الصِّبْيَانِ، وَجَابِرٌ قَدْ رَوَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى حَمْزَةَ، وَكَذَلِكَ أَنَسٌ كَمَا تَقَدَّمَ فَقَدْ وَافَقَا غَيْرَهُمَا فِي وُقُوعِ مُطْلَقِ الصَّلَاةِ عَلَى الشَّهِيدِ فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ
وَيَبْعُدُ كُلَّ الْبُعْدِ أَنْ يَخُصَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَلَاتِهِ حَمْزَةَ لِمَزِيَّةِ الْقَرَابَةِ وَيَدَعَ بَقِيَّةَ الشُّهَدَاءِ، وَمَعَ هَذَا فَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ حَالَ الْوَاقِعَةِ، وَتَرَكْنَا جَمِيعَ هَذِهِ الْمُرَجِّحَاتِ لَكَانَتْ صَلَاتُهُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ مُفِيدَةً لِلْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّهَا كَالِاسْتِدْرَاكِ لِمَا فَاتَ مَعَ اشْتِمَالِهَا عَلَى فَائِدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الشَّهِيدِ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُتْرَكَ بِحَالٍ وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ وَتَرَاخَتْ إلَى غَايَةٍ بَعِيدَةٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَلَامٍ فَلَمْ أَقِفْ لِلْمَانِعِينَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى جَوَابٍ عَلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ أَدِلَّةِ الْمُثْبِتِينَ؛ لِأَنَّهُ قُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَمَّاهُ شَهِيدًا وَصَلَّى عَلَيْهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute