. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
وَسِيلَةٌ إلَيْهَا، لَكِنْ يَكُونُ قِيرَاطُ مَنْ صَلَّى فَقَطْ دُونَ قِيرَاطِ مَنْ شَيَّعَ وَصَلَّى. وَاسْتَدَلَّ بِمَا عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ: «مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ وَلَمْ يَتْبَعْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ» وَبِمَا عِنْدَ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «وَمَنْ صَلَّى وَلَمْ يَتْبَعْ فَلَهُ قِيرَاطٌ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ تُحَصِّلُ الْقِيرَاطَ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ اتِّبَاعٌ
قَالَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ الِاتِّبَاعُ هُنَا عَلَى مَا بَعْدَ الصَّلَاةِ انْتَهَى. وَهَكَذَا الْخِلَافُ فِي قِيرَاطِ الدَّفْنِ هَلْ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الدَّفْنِ مِنْ دُونِ اتِّبَاعٍ أَوْ لَا بُدَّ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا) قَالَ فِي الْفَتْحِ: اللَّامُ لِلْأَكْثَرِ مَفْتُوحَةٌ.
وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِكَسْرِهَا، وَرِوَايَةُ الْفَتْحِ مَحْمُولَةٌ عَلَيْهَا، فَإِنَّ حُصُولَ الْقِيرَاطِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى وُجُودِ الصَّلَاةِ مِنْ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: إنَّ الْقِيرَاطَ لَا يَحْصُلُ إلَّا لِمَنْ اتَّبَعَ وَصَلَّى أَوْ اتَّبَعَ وَشَيَّعَ وَحَضَرَ الدَّفْنَ، لَا لِمَنْ اتَّبَعَ مَثَلًا وَشَيَّعَ ثُمَّ انْصَرَفَ بِغَيْرِ صَلَاةٍ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاتِّبَاعَ إنَّمَا هُوَ وَسِيلَةٌ لِأَحَدِ مَقْصُودَيْنِ: إمَّا الصَّلَاةُ، وَإِمَّا الدَّفْنُ، فَإِذَا تَجَرَّدَتْ الْوَسِيلَةُ عَنْ الْمَقْصَدِ لَمْ يَحْصُلْ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى الْمَقْصُودِ، وَإِنْ كَانَ أَنْ يَحْصُلَ لِذَلِكَ فَضْلُ مَا يُحْتَسَبُ
وَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: اتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ أَفْضَلُ النَّوَافِلِ.
وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْهُ " اتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ " قَوْلُهُ: (فَلَهُ قِيرَاطٌ) بِكَسْرِ الْقَافِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْقِيرَاطُ نِصْفُ دَانِقٍ، قَالَ: وَالدَّانِقُ سُدُسُ الدِّرْهَمِ، فَهُوَ عَلَى هَذَا نِصْفُ سُدُسِ الدِّرْهَمِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَذَكَرَ الْقِيرَاطَ تَقْرِيبًا لِلْفَهْمِ لَمَّا كَانَ الْإِنْسَانُ يَعْرِفُ الْقِيرَاطَ وَيَعْمَلُ الْعَمَلَ فِي مُقَابَلَتِهِ، فَضَرَبَ لَهُ الْمَثَلَ بِمَا يَعْلَمُ، ثُمَّ لَمَّا كَانَ مِقْدَارُ الْقِيرَاطِ الْمُتَعَارَفِ حَقِيرًا، نَبَّهَ عَلَى عِظَمِ الْقِيرَاطِ الْحَاصِلِ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَالَ: " مِثْلَ أُحُدٍ " كَمَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَفِي أُخْرَى " أَصْغَرُهَا مِثْلُ أُحُدٍ " وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ " مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ " قَوْلُهُ: (وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ) ظَاهِرُهُ أَنَّ حُصُولَ الْقِيرَاطِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى فَرَاغِ الدَّفْنِ وَهُوَ أَصَحُّ الْأَوْجُهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْوَضْعِ فِي اللَّحْدِ
وَقِيلَ عِنْدَ انْتِهَاءِ الدَّفْنِ قَبْلَ إهَالَةِ التُّرَابِ. وَقَدْ وَرَدَتْ الْأَخْبَارُ بِكُلِّ ذَلِكَ، فَعِنْدَ مُسْلِمٍ: " حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا " وَعِنْدَهُ فِي أُخْرَى: " حَتَّى تُوضَعَ فِي اللَّحْدِ " وَعِنْدَهُ أَيْضًا: " حَتَّى تُوضَعَ فِي الْقَبْرِ " وَعِنْدَ أَحْمَدَ: " حَتَّى يُقْضَى قَضَاؤُهَا " وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ: " حَتَّى يُقْضَى دَفْنُهَا " وَعِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ: " حَتَّى يُسَوَّى عَلَيْهَا " أَيْ التُّرَابُ. وَقِيلَ: يَحْصُلُ الْقِيرَاطُ بِكُلٍّ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنْ يَتَفَاوَتُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تُحْمَلُ الرِّوَايَاتُ الْمُطْلَقَةُ عَنْ الْفَرَاغِ مِنْ الدَّفْنِ وَتَسْوِيَةِ التُّرَابِ بِالْمُقَيَّدَةِ بِهِمَا
قَوْلُهُ: (مِثْلَ الْجَبَلَيْنِ) فِي رِوَايَةٍ " مِثْلَ أُحُدٍ " وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ " كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ " وَعِنْدَ مُسْلِمٍ " أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ " وَعِنْدَ ابْنِ عَدِيٍّ " أَثْقَلُ مِنْ أُحُدٍ " فَأَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ بَيَانَ وَجْهِ التَّمْثِيلِ بِجَبَلِ أُحُدٍ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ زِنَةُ الثَّوَابِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (حَتَّى تُوضَعَ فِي اللَّحْدِ) اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّ اللَّحْدَ أَفْضَلُ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute