. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
رَفَعَهُ ثِقَةٌ، وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ مَاجَهْ. وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا. وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوُهُ وَقَالَ: ثَلَاثَةُ بَدَلَ أَرْبَعَةُ.
وَفِي إسْنَادِهِ رَجُلٌ لَمْ يُسَمَّ، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ مَرَاسِيلَ بَشِيرِ بْنِ كَعْبٍ، أَخْرَجَهُ أَبُو مُسْلِمٍ الْكَجِّيُّ. قَوْلُهُ: (يَبْلُغُونَ أَنْ يَكُونُوا ثَلَاثَةَ صُفُوفٍ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غُفِرَ لَهُ، وَأَقَلُّ مَا يُسَمَّى صَفًّا رَجُلَانِ، وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ قَوْلُهُ: (يَبْلُغُونَ مِائَةً) فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَكْثِيرِ جَمَاعَةِ الْجِنَازَةِ وَيُطْلَبُ بُلُوغُهُمْ إلَى هَذَا الْعَدَدِ الَّذِي يَكُون مِنْ مُوجِبَاتِ الْفَوْزِ، وَقَدْ قُيِّدَ ذَلِكَ بِأَمْرَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونُوا شَافِعِينَ فِيهِ: أَيْ مُخْلِصِينَ لَهُ الدُّعَاءَ، سَائِلِينَ لَهُ الْمَغْفِرَةَ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونُوا مُسْلِمِينَ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ الْقَاضِي: قِيلَ: هَذِهِ الْأَحَادِيثُ خَرَجَتْ أَجْوِبَةً لِسَائِلِينَ سَأَلُوا عَلَى ذَلِكَ، فَأَجَابَ كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ سُؤَالِهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَ بِقَبُولِ شَفَاعَةِ مِائَةٍ فَأَخْبَرَ بِهِ، ثُمَّ بِقَبُولِ شَفَاعَةِ أَرْبَعِينَ فَأَخْبَرَ بِهِ، ثُمَّ ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ وَإِنْ قَلَّ عَدَدُهُمْ فَأَخْبَرَ بِهِ. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ: هَذَا مَفْهُومُ عَدَدٍ، وَلَا يَحْتَجُّ بِهِ جَمَاهِيرُ الْأُصُولِيِّينَ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْأَخْبَارِ عَنْ قَبُولِ شَفَاعَةِ مِائَةٍ مَنْعُ قَبُولِ مَا دُونَ ذَلِكَ، وَكَذَا فِي الْأَرْبَعِينَ ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ، وَحِينَئِذٍ كُلُّ الْأَحَادِيثِ مَعْمُولٌ بِهَا، وَتَحْصُلُ الشَّفَاعَةُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةِ صُفُوفٍ وَأَرْبَعِينَ قَوْلُهُ: (أَرْبَعَةُ أَبْيَاتٍ) لَيْسَ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ لَفْظُ أَبْيَاتٍ. وَفِيهِ أَنَّ شَهَادَةَ أَرْبَعَةٍ مِنْ جِيرَانِ الْمَيِّتِ مِنْ مُوجِبَاتِ مَغْفِرَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ
وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَيُّمَا مُسْلِمٍ شَهِدَ لَهُ أَرْبَعَةٌ بِخَيْرٍ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ، فَقُلْنَا: وَثَلَاثَةٌ؟ قَالَ: وَثَلَاثَةٌ، فَقُلْنَا: وَاثْنَانِ؟ قَالَ: وَاثْنَانِ، ثُمَّ لَمْ نَسْأَلْهُ عَنْ الْوَاحِدِ» قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: إنَّمَا لَمْ يَسْأَلْهُ عُمَرُ عَنْ الْوَاحِدِ اسْتِبْعَادًا مِنْهُ أَنْ يُكْتَفَى فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ الْعَظِيمِ بِأَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ. قَالَ الدَّاوُدِيُّ: الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ شَهَادَةُ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالصِّدْقِ لَا الْفَسَقَةِ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يُثْنُونَ عَلَى مَنْ يَكُونُ مِثْلَهُمْ، وَلَا مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ عَدَاوَةٌ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْعَدُوِّ لَا تُقْبَلُ. وَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: «مُرَّ بِجِنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَجَبَتْ ثُمَّ مُرَّ بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَجَبَتْ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا وَجَبَتْ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ» هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَفِي مُسْلِمٍ " وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ ثَلَاثًا فِي الْمَوْضِعَيْنِ ". قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الثَّنَاءَ بِالْخَيْرِ لِمَنْ أَثْنَى عَلَيْهِ أَهْلُ الْفَضْلِ وَكَانَ ذَلِكَ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُطَابِقٍ فَلَا، وَكَذَا عَكْسُهُ. قَالَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute