. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
فَذَهَبَتْ الْمُعْتَزِلَةُ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَيْهِ شَيْءٌ وَاسْتَدَلُّوا بِعُمُومِ الْآيَةِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: إنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ صَلَاةً كَانَ أَوْ صَوْمًا أَوْ حَجًّا أَوْ صَدَقَةً أَوْ قِرَاءَةَ قُرْآنٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْبِرِّ، وَيَصِلُ ذَلِكَ إلَى الْمَيِّتِ وَيَنْفَعُهُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ انْتَهَى وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى الْمَيِّتِ ثَوَابُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إلَى أَنَّهُ يَصِلُ، كَذَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ وَفِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِابْنِ النَّحْوِيِّ: لَا يَصِلُ إلَى الْمَيِّتِ عِنْدَنَا ثَوَابُ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَالْمُخْتَارُ الْوُصُولُ إذَا سَأَلَ اللَّهَ إيصَالَ ثَوَابِ قِرَاءَتِهِ، وَيَنْبَغِي الْجَزْمُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ، فَإِذَا جَازَ الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ بِمَا لَيْسَ لَلدَّاعِي، فَلَأَنْ يَجُوزَ بِمَا هُوَ لَهُ أَوْلَى، وَيَبْقَى الْأَمْرُ فِيهِ مَوْقُوفًا عَلَى اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ
هَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْتَصُّ بِالْقِرَاءَةِ بَلْ يَجْرِي فِي سَائِرِ الْأَعْمَالِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الدُّعَاءَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَنْفَعُ الْمَيِّتَ وَالْحَيَّ الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ بِوَصِيَّةٍ وَغَيْرِهَا وَعَلَى ذَلِكَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، بَلْ كَانَ أَفْضَلُ الدُّعَاءِ أَنْ يَدْعُوَ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ انْتَهَى وَقَدْ حَكَى النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى وُصُولِ الدُّعَاءِ إلَى الْمَيِّتِ، وَكَذَا حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ تَقَعُ عَنْ الْمَيِّتِ وَيَصِلُهُ ثَوَابُهَا وَلَمْ يُقَيِّدْ ذَلِكَ بِالْوَلَدِ. وَحَكَى أَيْضًا الْإِجْمَاعَ عَلَى لُحُوقِ قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ يُخَصَّصُ عُمُومُ الْآيَةِ بِالصَّدَقَةِ مِنْ الْوَلَدِ كَمَا فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ، وَبِالْحَجِّ مِنْ الْوَلَدِ كَمَا فِي خَبَرِ الْخَثْعَمِيَّةِ، وَمِنْ غَيْرِ الْوَلَدِ أَيْضًا كَمَا فِي حَدِيثِ الْمُحْرِمِ عَنْ أَخِيهِ شُبْرُمَةَ، وَلَمْ يَسْتَفْصِلْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ أَوْصَى شُبْرُمَةُ أَمْ لَا؟ وَبِالْعِتْقِ مِنْ الْوَلَدِ كَمَا وَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ فِي حَدِيثِ سَعْدٍ خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ، وَبِالصَّلَاةِ مِنْ الْوَلَدِ أَيْضًا مَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ كَانَ لِي أَبَوَانِ أُبِرُّهُمَا فِي حَالِ حَيَاتِهِمَا، فَكَيْفَ لِي بِبِرِّهِمَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ مِنْ الْبِرِّ بَعْدَ الْبِرِّ أَنْ تُصَلِّيَ لَهُمَا مَعَ صَلَاتِكَ، وَأَنْ تَصُومَ لَهُمَا مَعَ صِيَامِك» وَبِالصِّيَامِ مِنْ الْوَلَدِ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَلِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ، وَلِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ «إنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّيَ مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ، فَقَالَ: أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِهِ أَكَانَ يُؤَدِّي ذَلِكَ عَنْهَا؟ قَالَتْ نَعَمْ، قَالَ: فَصَوْمِي عَنْ أُمِّكِ» وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: إنَّهُ كَانَ عَلَى أُمِّي صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: صُومِي عَنْهَا»
وَمِنْ غَيْرِ الْوَلَدِ أَيْضًا لِحَدِيثِ «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَبِقِرَاءَةِ (يس) مِنْ الْوَلَدِ وَغَيْرِهِ لِحَدِيثِ «اقْرَءُوا عَلَى مَوْتَاكُمْ يس» وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَبِالدُّعَاءِ مِنْ الْوَلَدِ لِحَدِيثِ «أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ» وَمِنْ غَيْرِهِ لِحَدِيثِ «اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ» وَقَدْ تَقَدَّمَ وَلِحَدِيثِ " فَضْلُ الدُّعَاءِ لِلْأَخِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ " وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute