للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٥٠٣ - (وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «اشْتَكَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ شَكْوَى لَهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعُودُهُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ وَجَدَهُ فِي غَشِيَّةٍ، فَقَالَ: قَدْ قَضَى فَقَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ بُكَاءَهُ بَكَوْا؛ قَالَ: أَلَا تَسْمَعُونَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ وَلَا بِحُزْنِ الْقَلْبِ وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا، وَأَشَارَ إلَى لِسَانِهِ أَوْ يَرْحَمُ) » .

١٥٠٤ - (وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: «كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَرْسَلَتْ إلَيْهِ إحْدَى بَنَاتِهِ تَدْعُوهُ وَتُخْبِرُهُ أَنَّ صَبِيًّا لَهَا فِي الْمَوْتِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ارْجِعْ إلَيْهَا فَأَخْبِرْهَا أَنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَمُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ، فَعَادَ الرَّسُولُ فَقَالَ: إنَّهَا أَقْسَمَتْ لَتَأْتِيَنَّهَا، قَالَ: فَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَامَ مَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، قَالَ: فَانْطَلَقْتُ مَعَهُمْ، فَرُفِعَ إلَيْهِ الصَّبِيُّ وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ كَأَنَّهَا فِي شَنَّةٍ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ سَعْدٌ: مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا)

ــ

[نيل الأوطار]

هُوَ النَّوْحُ وَالصُّرَاخُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ بِالْأَحَادِيثِ الْآتِيَةِ

قَوْلُهُ: (إنَّهُ مَهْمَا كَانَ مِنْ الْعَيْنِ وَالْقَلْبِ. . . إلَخْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْبُكَاءِ الْمُجَرَّدِ عَمَّا لَا يَجُوزُ مِنْ فِعْلِ الْيَدِ كَشَقِّ الْجَيْبِ وَاللَّطْمِ، وَمِنْ فِعْلِ اللِّسَانِ كَالصُّرَاخِ وَدَعْوَى الْوَيْلِ وَالثُّبُورِ وَنَحْوِ ذَلِكَ

قَوْلُهُ: (اشْتَكَى) أَيْ ضَعْفٌ وَشَكْوَى بِغَيْرِ تَنْوِينٍ قَوْلُهُ: (فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ) زَادَ مُسْلِمٌ «فَاسْتَأْخَرَ قَوْمُهُ مِنْ حَوْلِهِ حَتَّى دَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ مَعَهُ»

قَوْلُهُ: (وَجَدَهُ فِي غَشِيَّةٍ) قَالَ النَّوَوِيُّ: بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ قَالَ الْقَاضِي: هَكَذَا رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ قَالَ: وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِإِسْكَانِ الشِّينِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ " فِي غَاشِيَةٍ " وَكُلُّهُ صَحِيحٌ، وَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا مَنْ يَغْشَاهُ مِنْ أَهْلِهِ وَالثَّانِي مَا يَغْشَاهُ مِنْ كُرَبِ الْمَوْتِ.

قَوْلُهُ: (فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ بُكَاءَهُ بَكَوْا) هَذَا فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ كَانَتْ بَعْدَ قِصَّةِ إبْرَاهِيمَ ابْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ كَانَ مَعَهُمْ فِي هَذِهِ، وَلَمْ يَعْتَرِضْ بِمِثْلِ مَا اعْتَرَضَ بِهِ هُنَاكَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ تَقَرَّرَ عِنْدَهُ الْعِلْمُ بِأَنَّ مُجَرَّدَ الْبُكَاءِ بِدَمْعِ الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ لَا يَضُرُّ قَوْلُهُ: (أَلَا تَسْمَعُونَ) لَا يَحْتَاجُ إلَى مَفْعُولٍ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ كَالْفِعْلِ اللَّازِمِ: أَيْ لَا تُوجِدُونَ السَّمَاعَ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ فُهِمَ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>