. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
أَنَّهُ قَدْ حَصَلَ مِنْهُمَا زِيَادَةٌ عَلَى مُجَرَّدِ دَمْعِ الْعَيْنِ، وَلِهَذَا فَرَّقَتْ عَائِشَةُ وَهِيَ فِي حُجْرَتِهَا بَيْنَ بُكَاءِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَلَعَلَّ الْوَاقِعَ مِنْهُمَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى كَتْمِهِ، وَلَمْ يَبْلُغْ إلَى الْحَدِّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ حَمْزَةُ لَا بَوَاكِيَ لَهُ) هَذِهِ الْمَقَالَةُ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ عَدَمِ إنْكَارِهِ لِلْبُكَاءِ الْوَاقِعِ مِنْ نِسَاءِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ هَلْكَاهُنَّ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ مُجَرَّدِ الْبُكَاءِ وَقَوْلُهُ: «وَلَا يَبْكِينَ عَلَى هَالِكٍ بَعْدَ الْيَوْمِ» ظَاهِرُهُ الْمَنْعُ مِنْ مُطْلَقِ الْبُكَاءِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ: " فَإِذَا وَجَبَ فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ " وَذَلِكَ يُعَارِضُ مَا فِي الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ مِنْ الْإِذْنِ بِمُطْلَقِ الْبُكَاءِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَيُعَارِضُ أَيْضًا سَائِرَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الْإِذْنِ بِمُطْلَقِ الْبُكَاءِ مِمَّا لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ كَحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ.
وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ النَّسَائِيّ وَابْنِ مَاجَهْ وَابْنِ حِبَّانَ بِلَفْظِ: «مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِجِنَازَةٍ فَانْتَهَرَهُنَّ عُمَرُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: دَعْهُنَّ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ فَإِنَّ النَّفْسَ مُصَابَةٌ وَالْعَيْنَ دَامِعَةٌ وَالْعَهْدَ قَرِيبٌ»
وَحَدِيثِ بُرَيْدَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي زِيَارَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْرَ أُمِّهِ وَسَيَأْتِي وَحَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَرَفَتْ عَيْنَاهُ لَمَّا جَعَلَ ابْنَهُ إبْرَاهِيمَ فِي حِجْرِهِ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: إنَّهَا رَحْمَةٌ، ثُمَّ قَالَ: الْعَيْنُ تَدْمَعُ وَالْقَلْبُ يَحْزَنُ وَلَا نَقُولُ إلَّا مَا يُرْضِي رَبَّنَا.» وَهُوَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِلَفْظِ: «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَانْطَلَقَ بِهِ إلَى ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ فَوَجَدَهُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ فَبَكَى، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَتَبْكِي، أَوَلَمْ تَكُنْ نَهَيْتَ عَنْ الْبُكَاءِ؟ فَقَالَ: لَا وَلَكِنْ نَهَيْتُ عَنْ صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فَاجِرَيْنِ: صَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ خَمْشِ وُجُوهٍ وَشَقِّ جُيُوبٍ، وَرَنَّةِ شَيْطَانٍ» الْحَدِيثُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِحَمْلِ النَّهْيِ عَنْ الْبُكَاءِ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا بِبُعْدِ الْمَوْتِ عَلَى الْبُكَاءِ الْمُفْضِي إلَى مَا لَا يَجُوزُ مِنْ النَّوْحِ وَالصُّرَاخِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْإِذْنُ بِهِ عَلَى مُجَرَّدِ الْبُكَاءِ الَّذِي هُوَ دَمْعُ الْعَيْنِ وَمَا لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ مِنْ الصَّوْتِ.
وَقَدْ أَشَارَ إلَى هَذَا الْجَمْعِ قَوْلُهُ: " وَلَكِنْ نَهَيْت عَنْ صَوْتَيْنِ. . . إلَخْ " قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمِ " إنَّهُ مَهْمَا كَانَ مِنْ الْعَيْنِ وَالْقَلْبِ فَمِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنْ الرَّحْمَةِ " وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ " إنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ وَلَا بِحُزْنِ الْقَلْبِ " فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ " لَا يَبْكِينَ عَلَى هَالِكٍ بَعْدَ الْيَوْمِ " قَوْلُهُ " فَإِذَا وَجَبَ لَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ " النَّهْيُ عَنْ الْبُكَاءِ الَّذِي يَصْحَبُهُ شَيْءٌ مِمَّا حَرَّمَهُ الشَّارِعُ وَقِيلَ: إنَّهُ يُجْمَعُ بِأَنَّ الْإِذْنَ بِالْبُكَاءِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَالنَّهْيَ عَنْهُ بَعْدَهُ، وَيُرَدُّ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ قَرِيبًا، وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَبِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ فِي قِصَّةِ زِيَارَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُمِّهِ
وَبِحَدِيثِ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورَيْنِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَقِيلَ: إنَّهُ يُجْمَعُ بِحَمْلِ أَحَادِيثِ النَّهْيِ عَنْ الْبُكَاءِ بَعْدَ الْمَوْتِ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَقَدْ تَمَسَّكَ بِذَلِكَ الشَّافِعِيُّ فَحُكِيَ عَنْهُ كَرَاهَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute