للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٥٣١ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ صَاحِبِ كَنْزٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهُ إلَّا أُحْمِيَ عَلَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُجْعَلُ صَفَائِحَ فَتُكْوَى بِهَا جَنْبَاهُ وَجَبْهَتُهُ حَتَّى

ــ

[نيل الأوطار]

وَلِلْمُطَابَقَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ قَالَ الْخَطَّابِيِّ: وَقَدْ يَسْتَدِلُّ بِهِ مَنْ لَا يَرَى عَلَى الْمَدْيُونِ زَكَاةً إذَا لَمْ يَفْضُلْ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ قَدْرُ نِصَابٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِغَنِيٍّ إذْ إخْرَاجُ مَالِهِ مُسْتَحَقٌّ لِغُرَمَائِهِ قَوْلُهُ: (فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ) كَرَائِمَ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ لَا يَجُوزُ إظْهَارُهُ، وَالْكَرَائِمُ جَمْعُ كَرِيمَةٍ: أَيْ نَفِيسَةٍ.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُصَدِّقِ أَخْذُ خِيَارِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لِمُوَاسَاةِ الْفُقَرَاءِ فَلَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ الْإِجْحَافُ بِالْمَالِكِ إلَّا بِرِضَاهُ قَوْلُهُ: (وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ) فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الظُّلْمِ وَالنُّكْتَةُ فِي ذِكْرِهِ عَقِبَ الْمَنْعِ مِنْ أَخْذِ كَرَائِمِ الْأَمْوَالِ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ أَخْذَهَا ظُلْمٌ

قَوْلُهُ: (حِجَابٌ) أَيْ لَيْسَ لَهَا صَارِفٌ يَصْرِفُهَا وَلَا مَانِعٌ، وَالْمُرَادُ أَنَّهَا مَقْبُولَةٌ وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ مَرْفُوعًا «دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ، وَإِنْ كَانَ فَاجِرًا فَفُجْرُهُ عَلَى نَفْسِهِ» قَالَ الْحَافِظُ: وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ؛ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى حِجَابًا يَحْجُبُهُ عَنْ النَّاسِ قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ أَنْ سَاقَ الْحَدِيثَ: وَقَدْ اُحْتُجَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ صَرْفِ الزَّكَاةِ فِي بَلَدِهَا، وَاشْتِرَاطُ إسْلَامِ الْفَقِيرِ، وَأَنَّهَا تَجِبُ فِي مَالِ الطِّفْلِ الْغَنِيِّ عَمَلًا بِعُمُومِهِ كَمَا تُصْرَفُ فِيهِ مَعَ الْفَقْرِ انْتَهَى.

وَفِيهِ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى بَعْثِ السَّعَادَةِ وَتَوْصِيَةِ الْإِمَامِ عَامِلَهُ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْأَحْكَامِ وَقَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ وَإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي مَالِ الْمَجْنُونِ لِلْعُمُومِ أَيْضًا، وَأَنَّ مَنْ مَلَكَ نِصَابًا لَا يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جَعَلَ أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ غَنِيٌّ وَقَابَلَهُ بِالْفَقِيرِ، وَأَنَّ الْمَالَ إذَا تَلِفَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ لِإِضَافَةِ الصَّدَقَةِ إلَى الْمَالِ

وَقَدْ اسْتَشْكَلَ عَدَمُ ذِكْرِ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ فِي الْحَدِيثِ مَعَ أَنَّ بَعْثَ مُعَاذٍ كَانَ آخِرَ الْأَمْرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَجَابَ ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّ ذَلِكَ تَقْصِيرٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى ارْتِفَاعِ الْوُثُوقِ بِكَثِيرٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ. وَأَجَابَ الْكَرْمَانِيُّ بِأَنَّ اهْتِمَامَ الشَّارِعِ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ أَكْثَرُ وَلِهَذَا كُرِّرَا فِي الْقُرْآنِ، فَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَذْكُرْ الصَّوْمَ وَالْحَجَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعَ أَنَّهُمَا مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَقِيلَ: إذَا كَانَ الْكَلَامُ فِي بَيَانِ الْأَرْكَانِ لَمْ يَخْلُ الشَّارِعُ مِنْهُ بِشَيْءٍ كَحَدِيثِ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» فَإِذَا كَانَ الدُّعَاءُ إلَى الْإِسْلَامِ اكْتَفَى بِالْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ: الشَّهَادَةِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، وَلَوْ كَانَ بَعْدَ وُجُودِ فَرْضِ الْحَجِّ وَالصَّوْمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} [التوبة: ٥] ، مَعَ أَنَّ نُزُولَهَا بَعْدَ فَرْضِ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>