للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

التِّجَارَةِ، وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ خِلَافًا لِدَاوُدَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْوَقْفِ وَصِحَّةِ وَقْفِ الْمَنْقُولِ وَبِهِ قَالَتْ الْأُمَّةُ بِأَسْرِهَا إلَّا أَبَا حَنِيفَةَ وَبَعْضَ الْكُوفِيِّينَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذِهِ الصَّدَقَةُ الَّتِي مَنَعَهَا ابْنُ جَمِيلٍ وَخَالِدٌ وَالْعَبَّاسُ لَمْ تَكُنْ زَكَاةً إنَّمَا كَانَتْ صَدَقَةَ تَطَوُّعٍ، حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ وَذَكَرَ فِي رِوَايَتِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَدَبَ النَّاسَ إلَى الصَّدَقَةِ» وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ: وَهَذَا التَّأْوِيلُ أَلْيَقُ بِالْقِصَّةِ، وَلَا يُظَنُّ بِالصَّحَابَةِ مَنْعُ الْوَاجِبِ، وَعَلَى هَذَا فَعُذْرُ خَالِدٍ وَاضِحٌ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ مَالَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَمَا بَقِيَ لَهُ مَالٌ يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ بِصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَيَكُونُ ابْنُ جَمِيلٍ شَحَّ بِصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ فَعَتَبَ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي الْعَبَّاسِ: " هِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُهَا مَعَهَا " أَيْ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ إذَا طُلِبَتْ مِنْهُ، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ الْقَصَّارِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَلَكِنَّ ظَاهِرَ الْأَحَادِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهَا فِي الزَّكَاةِ لِقَوْلِهِ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمَرَ عَلَى الصَّدَقَةِ وَإِنَّمَا كَانَ يَبْعَثُ فِي الْفَرِيضَةِ» وَرَجَّحَ هَذَا النَّوَوِيُّ قَوْلُهُ: (فَهِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُهَا مَعَهَا) مِمَّا يُقَوِّي أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ تَعَجَّلَ مِنْ الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ عَامَيْنِ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعُمَرَ: إنَّا كُنَّا تَعَجَّلْنَا صَدَقَةَ مَالِ الْعَبَّاسِ عَامَ الْأَوَّلِ» وَمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَسَلَّفَ مِنْ الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ عَامَيْنِ» وَفِي إسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ ذَكْوَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ نَحْوَهُ، فِي إسْنَادِهِ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِي إسْنَادِهِ مِنْدَلُ بْنُ عَلِيٍّ وَالْعَزْرَمِيُّ وَهُمَا ضَعِيفَانِ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ: مُرْسَلٌ وَمِمَّا يُرَجِّحُ أَنَّ الْمُرَادَ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ أَرَادَ أَنْ يَتَحَمَّلَ مَا عَلَيْهِ لِأَجْلِ امْتِنَاعِهِ لَكَفَاهُ أَنْ يَتَحَمَّلَ مِثْلَهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، وَأَيْضًا الْحَمْلُ عَلَى الِامْتِنَاعِ فِيهِ سُوءُ ظَنٍّ بِالْعَبَّاسِ

وَالْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ وَلَوْ لِعَامَيْنِ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَبِهِ قَالَ الْهَادِي وَالْقَاسِمُ قَالَ الْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ: وَهُوَ أَفْضَلُ، وَقَالَ مَالِكٌ وَرَبِيعَةُ وَسُفْيَانُ وَالثَّوْرِيُّ وَدَاوُد وَأَبُو عُبَيْدِ بْنُ الْحَارِثِ، وَمِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ النَّاصِرُ: إنَّهُ لَا يُجْزِئُ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ، وَاسْتَدَلُّوا بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا تَعْلِيقُ الْوُجُوبِ بِالْحَوْلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَتَسْلِيمُ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ مَنْ قَالَ بِصِحَّةِ التَّعْجِيلِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقٌ بِالْحَوْلِ فَلَا نِزَاعَ وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي الْإِجْزَاءِ قَبْلَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>