للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

لِقَتْلِهِ وَإِرَاقَةِ دَمِهِ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْمَسْأَلَةِ لِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ قَوْلُهُ: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ» قَدْ اخْتَلَفَتْ الْمَذَاهِبُ فِي الْمِقْدَارِ الَّذِي يَصِيرُ بِهِ الرَّجُلُ غَنِيًّا، فَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّ الْغَنِيَّ مَنْ مَلَكَ النِّصَابَ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخَذُ الزَّكَاةِ، وَاحْتَجُّوا بِمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ» قَالُوا: فَوَصَفَ مَنْ تُؤْخَذُ مِنْهُ الزَّكَاةُ بِالْغَنِيِّ، وَقَدْ قَالَ: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ» وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مَنْ وَجَدَ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ، حَكَاهُ الْخَطَّابِيِّ. وَاسْتَدَلَّ بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ عَنْ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنْ النَّارِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا يُغْنِيهِ؟ قَالَ: قَدْرُ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ» وَسَيَأْتِي

قَالَ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: هُوَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتُهَا. وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ مَرْفُوعًا: «مَنْ يَسْأَلُ النَّاسَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَسْأَلَتُهُ فِي وَجْهِهِ خُمُوشٌ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا يُغْنِيهِ؟ قَالَ: خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ حِسَابُهَا مِنْ الذَّهَبِ» وَسَيَأْتِي. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ: إذَا كَانَ عِنْدَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ أَكْثَرُ وَهُوَ مُحْتَاجٌ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الزَّكَاةِ.

وَرُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَكُونُ غَنِيًّا بِالدِّرْهَمِ مَعَ الْكَسْبِ وَلَا يُغْنِيهِ الْأَلْفُ مَعَ ضَعْفِهِ فِي نَفْسِهِ وَكَثْرَةِ عِيَالِهِ

وَقَالَ أَبُو عُبَيْدِ بْنُ سَلَّامٍ: هُوَ مَنْ وَجَدَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْآتِي بِلَفْظِ " وَلَهُ قِيمَةُ أُوقِيَّةٍ " لِأَنَّ الْأَرْبَعِينَ الدِّرْهَمِ قِيمَةُ الْأُوقِيَّةِ. وَقِيلَ: هُوَ مَنْ لَا يَكْفِيهِ غَلَّةُ أَرْضِهِ لِلسَّنَةِ، حَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ أَبِي طَالِبٍ وَالْمُرْتَضَى قَوْلُهُ: (وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ) الْمِرَّةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْمِرَّةُ: الْقُوَّةُ وَشِدَّةُ الْعَقْلِ، وَرَجُلٌ مَرِيرٌ: أَيْ قَوِيٌّ ذُو مِرَّةٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمِرَّةُ: الْقُوَّةُ عَلَى الْكَسْبِ وَالْعَمَلِ، وَإِطْلَاقُ الْمِرَّةِ هُنَا وَهِيَ الْقُوَّةُ مُقَيَّدٌ بِالْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ أَعْنِي قَوْلَهُ: " وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ " فَيُؤْخَذُ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ مُجَرَّدَ الْقُوَّةِ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ الِاسْتِحْقَاقِ إلَّا إذَا قُرِنَ بِهَا الْكَسْبُ. وَقَوْلُهُ: " سَوِيٍّ " أَيْ مُسْتَوِي الْخَلْقِ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَالْمُرَادُ اسْتِوَاءُ الْأَعْضَاءِ وَسَلَامَتُهَا قَوْلُهُ: (جَلْدَيْنِ) بِإِسْكَانِ اللَّامِ: أَيْ قَوِيَّيْنِ شَدِيدَيْنِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْجَلْدُ بِفَتْحِ اللَّامِ: هُوَ الصَّلَابَةُ وَالْجَلَادَةُ تَقُولُ مِنْهُ: جَلُدَ الرَّجُلُ بِالضَّمِّ فَهُوَ جَلْدٌ، يَعْنِي بِإِسْكَانِ اللَّامِ، وَجَلِيدٌ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالْجَلَادَةِ قَوْلُهُ: (مُكْتَسِبٍ) أَيْ يَكْتَسِبُ قَدْرَ كِفَايَتِهِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَوْ الْمَالِكِ الْوَعْظُ وَالتَّحْذِيرُ وَتَعْرِيفُ النَّاسِ بِأَنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ وَلَا ذِي قُوَّةٍ عَلَى الْكَسْبِ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَكُونُ ذَلِكَ بِرِفْقٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>