للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ الْهِلَالِ إذَا رَآهُ أَهْلُ بَلْدَةٍ هَلْ يَلْزَمُ بَقِيَّةَ الْبِلَادِ الصَّوْمُ

١٦٣٦ - ( «عَنْ كُرَيْبٌ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بَعَثَتْهُ إلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ فَقَالَ: فَقَدِمْتُ الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ فَرَأَيْتُ الْهِلَالَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَدِمْتُ

ــ

[نيل الأوطار]

أَهْلُ الْبَيْتِ، وَهَكَذَا قَالَ الْأَمِيرُ الْحُسَيْنُ فِي الشِّفَاءِ وَالْمَهْدِيُّ فِي الْبَحْرِ وَقَدْ أَسْنَدَ لِابْنِ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ الرِّوَايَةَ عَنْ الصَّحَابَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمْ الْقَائِلِينَ بِصَوْمِهِ وَحَكَى الْقَوْمُ بِصَوْمِهِ عَنْ جَمِيعِ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْهُمْ وَمِنْ التَّابِعِينَ وَقَالَ: وَهُوَ مَذْهَبُ إمَامِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَاسْتَدَلَّ الْمُجَوِّزُونَ لِصَوْمِهِ بِأَدِلَّةٍ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَصُومُهُ» وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ مُرَادَهَا أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ لِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِهَا قَالَتْ «مَا رَأَيْتُهُ يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إلَّا شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ» وَهُوَ غَيْرُ مَحَلِّ النِّزَاعِ لِأَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ الْمَانِعِينَ مِنْ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ لِمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ» .

وَأَيْضًا قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ فِعْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُعَارِضُ الْقَوْلَ الْخَاصَّ بِالْأُمَّةِ وَلَا الْعَامَّ لَهُ وَلَهُمْ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِعْلُهُ مُخَصَّصًا لَهُ مِنْ الْعُمُومِ وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: " لَأَنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ " وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَلِيٍّ وَهِيَ لَمْ تُدْرِكْهُ فَالرِّوَايَةُ الْمُنْقَطِعَةُ وَلَوْ سَلِمَ الِاتِّصَالُ فَلَيْسَ بِنَافِعٍ لِأَنَّ لَفْظَ الرِّوَايَةِ " أَنَّ رَجُلًا شَهِدَ عِنْدَ عَلِيٍّ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَصُومُوا ثُمَّ قَالَ: لَأَنْ أَصُومَ. . . إلَخْ " فَالصَّوْمُ لِقِيَامِ شَهَادَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَهُ لَا لِكَوْنِهِ يَوْمَ شَكٍّ وَأَيْضًا الِاحْتِجَاجُ بِذَلِكَ عَلَى فَرْضِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اسْتَحَبَّ صَوْمَ يَوْمِ الشَّكِّ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى شَهَادَةِ الشَّاهِدِ إنَّمَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى مَنْ قَالَ بِأَنَّ قَوْلَهُ حُجَّةٌ عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ الْقَوْلُ بِكَرَاهَةِ صَوْمِهِ حَكَى ذَلِكَ عَنْهُ صَاحِبُ الْهَدْيِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ كَرَاهَةُ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَمَّارٌ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّحَابَةَ مُخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ بِحُجَّةٍ عَلَى أَحَدٍ وَالْحُجَّةُ مَا جَاءَنَا عَنْ الشَّارِعِ وَقَدْ عَرَفْتَهُ وَقَدْ اسْتَوْفَيْتُ الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْأَبْحَاثِ الَّتِي كَتَبْتُهَا عَلَى رِسَالَةِ الْجَلَالِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى اسْتِقْبَالِ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فِي آخِرِ الْكِتَابِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -.

<<  <  ج: ص:  >  >>