بَابُ مَا جَاءَ فِي الْقَيْءِ وَالِاكْتِحَالِ
١٦٤٩ - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ
ــ
[نيل الأوطار]
وَجْهَ ذَلِكَ.
وَحَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَخْرَجَهُ أَيْضًا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَالْجَهَالَةُ بِالصَّحَابِيِّ لَا تَضُرُّ.
وَقَوْلُهُ: " إبْقَاءً عَلَى أَصْحَابِهِ " مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: نَهَى. وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ الثَّوْرِيِّ بِإِسْنَادِهِ هَذَا، وَلَفْظُهُ عَنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالُوا: إنَّمَا «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْحِجَامَةِ لَلصَّائِمِ وَكَرِهَهَا لِلضَّعِيفِ» أَيْ لِئَلَّا يَضْعُفَ وَحَدِيثُ أَنَسٍ الْآخَرُ قَالَ فِي الْفَتْحِ: رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ مِنْ رِجَالِ الْبُخَارِيِّ.
وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «رَخَّصَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحِجَامَةِ» أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالدَّارَقُطْنِيّ، قَالَ الْحَافِظُ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، لَكِنْ اُخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ، وَاسْتُشْهِدَ لَهُ بِحَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ. وَلَهُ حَدِيثٌ آخَرُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ: الْقَيْءُ، وَالْحِجَامَةُ، وَالِاحْتِلَامُ» وَفِي إسْنَادِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ أَسْلَمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ. وَقَدْ رَوَاهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَرَجَّحَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَقَالَ: إنَّهُ أَصَحُّ وَأَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، وَتَبِعَهُمَا الْبَيْهَقِيُّ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: رَوَاهُ كَامِلُ بْنُ طَلْحَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدٍ مَوْصُولًا ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ قَالَ: وَرَوَاهُ هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدٍ مَوْصُولًا وَلَا يَصِحُّ، وَأَخْرَجَهُ فِي السُّنَنِ.
وَفِي الْبَابِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَهُوَ مَعْلُولٌ، وَعَنْ ثَوْبَانَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ بِالْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى أَنَّ الْحِجَامَةَ لَا تُفْطِرُ، وَلَكِنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يَصْلُحُ لِنَسْخِ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ تَأَخُّرَهُ لِمَا عَرَفْتَ مِنْ عَدَمِ انْتِهَاضِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ، أَعْنِي قَوْلَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. وَإِنَّمَا ثَانِيًا فَغَايَةُ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَاقِعُ بَعْدَ عُمُومٍ يَشْمَلُهُ أَنْ يَكُونَ مُخَصَّصًا لَهُ مِنْ الْعُمُومِ لَا رَافِعًا لِحُكْمِ الْعَامِّ، نَعَمْ حَدِيثُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَنَسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحِجَامَةَ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ وَلَا مُوجِبَةٍ لِإِفْطَارِ الْحَاجِمِ وَلَا الْمَحْجُومِ، فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ الْحِجَامَةَ مَكْرُوهَةٌ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ يَضْعُفُ بِهَا وَتَزْدَادُ الْكَرَاهَةُ إذَا كَانَ الضَّعْفُ يَبْلُغُ إلَى حَدٍّ يَكُونُ سَبَبًا لِلْإِفْطَارِ، وَلَا تُكْرَهُ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ لَا يَضْعَفُ بِهَا، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ تَجَنُّبُ الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ أَوْلَى، فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ قَوْلِهِ: " أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ " عَلَى الْمَجَازِ لِهَذِهِ الْأَدِلَّةِ الصَّارِفَةِ لَهُ عَنْ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute