للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

بِزِيَادَةِ: " وَإِنْ كُنْتَ قَائِمًا فَاجْلِسْ " وَمِنْ الرُّوَاةِ مَنْ ذَكَرَ قَوْلَهُ " إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ " وَاخْتَلَفَ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ " إنِّي صَائِمٌ " هَلْ يُخَاطِبُ بِهَا الَّذِي يَشْتُمُهُ وَيُقَاتِلُهُ أَوْ يَقُولُهَا فِي نَفْسِهِ، وَبِالثَّانِي جَزَمَ الْمُتَوَلِّي وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَئِمَّةِ، وَرَجَّحَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ الْأَوَّلَ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: كُلٌّ مِنْهُمَا حَسَنٌ، وَالْقَوْلُ بِاللِّسَانِ أَقْوَى، وَلَوْ جَمَعَهَا لَكَانَ حَسَنًا.

وَقَالَ الرُّويَانِيُّ: إنْ كَانَ رَمَضَانُ فَلْيَقُلْ بِلِسَانِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ فَلْيَقُلْهُ فِي نَفْسِهِ. وَادَّعَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ مَوْضِعَ الْخِلَافِ فِي التَّطَوُّعِ، وَأَمَّا فِي الْفَرْضِ فَلْيَقُلْهُ بِلِسَانِهِ قَطْعًا. قَوْلُهُ: (وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ) هَذَا الْقَسَمُ لِقَصْدِ التَّأْكِيدِ. قَوْلُهُ: (لَخُلُوفُ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بَعْدَهَا فَاءٌ. قَالَ عِيَاضٌ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ وَبَعْضُ الشُّيُوخِ يَقُولُ بِفَتْحِ الْخَاءِ. قَالَ الْخَطَّابِيِّ: وَهُوَ خَطَأٌ، وَحُكِيَ عَنْ الْقَابِسِيِّ الْوَجْهَيْنِ، وَبَالَغَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ فَتْحُ الْخَاءِ. وَاحْتَجَّ غَيْرُهُ لِذَلِكَ بِأَنَّ الْمَصَادِرَ الَّتِي جَاءَتْ عَلَى فَعُولٍ بِفَتْحِ أَوْلِهِ قَلِيلَةٍ، ذَكَرَهَا سِيبَوَيْهِ وَغَيْرُهُ. وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا، وَالْخُلُوفُ: تَغَيُّرُ رَائِحَةِ الْفَمِّ قَوْلُهُ: (أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ) اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ فَقَالَ الْمَازِرِيُّ: هُوَ مَجَازٌ لِأَنَّهَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَقْرِيبِ الرَّوَائِحِ الطَّيِّبَةِ مِنَّا، فَاسْتُعِيرَ ذَلِكَ لِتَقْرِيبِ الصَّائِمِ مِنْ اللَّهِ، فَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ عِنْدَكُمْ: أَيْ يَقْرَبُ إلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ تَقْرِيبِ الْمِسْكِ إلَيْكُمْ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَإِنَّمَا جُعِلَ مِنْ بَابِ الْمَجَازِ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - مُنَزَّهٌ عَنْ اسْتِطَابَةِ الرَّوَائِحِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْحَيَوَانِ، وَاَللَّهُ يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ.

وَقِيلَ الْمَعْنَى: إنَّ حُكْمَ الْخُلُوفِ وَالْمِسْكِ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى خِلَافِ مَا عِنْدَكُمْ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ يُجَازِيهِ فِي الْآخِرَةِ فَتَكُونُ نَكْهَتُهُ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ كَمَا يَأْتِي " الْمَكْلُومُ وَرِيحُ جُرْحِهِ يَفُوحُ مِسْكًا ". قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَالْمُرَادُ أَنَّ صَاحِبَهُ يَنَالُ مِنْ الثَّوَابِ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَيْضًا. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ مِنْ الْمَغَارِبَةِ: إنَّ الْخُلُوفَ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنْ الْمِسْكِ حَيْثُ نَدَبَ إلَيْهِ فِي الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَمَجَالِسِ الذِّكْرِ، وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ هَلْ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْآخِرَةِ، فَقَالَ بِالْأَوَّلِ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَبِالثَّانِي ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ.

وَاحْتَجَّ ابْنُ الصَّلَاحِ بِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ بِلَفْظِ: " فَمُ الصَّائِمِ حِينَ يُخْلِفُ مِنْ الطَّعَامِ " وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَبِمَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِلَفْظِ: «فَإِنَّ خُلُوفَ أَفْوَاهِهِمْ حِينَ يُمْسُونَ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: إسْنَادُهُ مُقَارِبٌ. وَاحْتَجَّ ابْنُ الصَّلَاحِ أَيْضًا بِأَنَّ مَا قَالَهُ هُوَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَاحْتَجَّ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى مَا قَالَهُ بِمَا فِي مُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيُّ: " أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْقَوْلُ بِكَرَاهَةِ السِّوَاكُ لَلصَّائِمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ عَنْهُ فِي مَوْضِعِهِ. قَوْلُهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>