بَابُ الرُّخْصَةِ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ إلَّا لِمَنْ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ
١٦٥٦ - (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
١٦٥٧ - (وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَلَكِنَّهُ كَانَ أَمْلَكَكُمْ لَإِرْبِهِ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا النَّسَائِيّ.
وَفِي لَفْظٍ: «كَانَ يُقَبِّلُ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ) .
ــ
[نيل الأوطار]
الثَّانِي أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ وَرِجَالُ إسْنَادِهِ رِجَالُ الصَّحِيحِ. قَوْلُهُ: (هَشَشْتُ) بِشِينَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ أَيْ نَشِطَتْ وَارْتَحْتُ، وَالْهَشَاشُ فِي الْأَصْلِ: الِارْتِيَاحُ وَالْخِفَّةُ وَالنَّشَاطُ، كَذَا فِي الْقَامُوسِ. قَوْلُهُ: (أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ. . . إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى فِقْهٍ بَدِيعٍ وَهُوَ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ لَا تُنْقِصُ الصَّوْمَ وَهِيَ أَوَّلُ الشُّرْبِ وَمِفْتَاحُهُ، فَكَذَلِكَ الْقُبْلَةُ لَا تُنْقِصُهُ وَهِيَ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ وَأَوَائِلِهِ الَّتِي تَكُونُ مِفْتَاحًا لَهُ، وَالشُّرْبُ يُفْسِدُ الصَّوْمَ كَمَا يُفْسِدُهُ الْجِمَاعُ، فَكَمَا ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ أَنَّ أَوَائِلَ الشُّرْبِ لَا تُفْسِدُ الصِّيَامَ كَذَلِكَ أَوَائِلَ الْجِمَاعِ لَا تُفْسِدُهُ، وَسَيَأْتِي الْخِلَافُ فِي التَّقْبِيلِ. قَوْلُهُ: (يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ. . . إلَخْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَكْسِرَ الْحَرَّ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَى بَعْضِ بَدَنِهِ أَوْ كُلِّهِ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ الْجُمْهُورُ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْأَغْسَالِ الْوَاجِبَةِ وَالْمَسْنُونَةِ وَالْمُبَاحَةِ.
وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: إنَّهُ يُكْرَهُ الِاغْتِسَالُ لِلصَّائِمِ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ النَّهْيِ عَنْ دُخُولِ الصَّائِمِ الْحَمَّامَ، وَمَعَ كَوْنِهِ أَخَصَّ مِنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ فِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ لِحَدِيثِ الْأَمْرِ بِالْمُبَالَغَةِ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَائِمًا وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَاخْتُلِفَ إذَا دَخَلَ مِنْ مَاءِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ إلَى جَوْفِهِ خَطَأٌ، فَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ وَالْقَاسِمِيَّةُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَالْمُزَنِيِّ: إنَّهُ يُفْسِدُ الصَّوْمَ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالنَّاصِرُ وَالْإِمَامُ يَحْيَى وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: إنَّهُ لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ كَالنَّاسِي. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: يَفْسُدُ الصَّوْمُ بَعْدَ الثَّلَاثِ الْمَرَّاتِ. وَقَالَ الصَّادِقُ: يَفْسُدُ إذَا كَانَ التَّمَضْمُضُ لِغَيْرِ قُرْبَةٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالنَّخَعِيِّ: إنَّهُ يَفْسُدُ إنْ لَمْ يَكُنْ لِفَرِيضَةٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute