للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ وَلَمْ يَغْتَسِلْ فَلَا يَصُمْ» وَأَجَابَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا يُفْطِرُ عَنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَرَدَّ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الْخَصَائِصَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَبِأَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ الْمَذْكُورُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ يَقْتَضِي عَدَمَ اخْتِصَاصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ. وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ الْأَمْرَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَمْرُ إرْشَادٍ إلَى الْأَفْضَلِ، فَإِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَغْتَسِلَ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَلَوْ خَالَفَ جَازَ، وَيُحْمَلُ حَدِيثُ عَائِشَةَ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ. وَقَدْ نَقَلَ النَّوَوِيُّ هَذَا الْجَمْعَ عَنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ.

وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ بِأَنَّ الَّذِي نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ هُوَ سُلُوكُ طَرِيقِ التَّرْجِيحِ. وَعَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَغَيْرِهِ سُلُوكُ النَّسْخِ وَبِالنَّسْخِ قَالَ الْخَطَّابِيِّ. وَقَوَّاهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: ١٨٧] ، يَقْتَضِي إبَاحَةَ الْوَطْءِ فِي لَيْلَةِ الصَّوْمِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا الْوَقْتُ الْمُقَارِنُ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَيَلْزَمُ إبَاحَةَ الْجِمَاعِ فِيهِ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ أَنْ يُصْبِحَ فَاعِلُ ذَلِكَ جُنُبًا وَلَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ. وَيُقَوِّي ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الرَّجُلِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ " يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ وَهِيَ إنَّمَا نَزَلَتْ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ سَنَةَ سِتٍّ، وَابْتِدَاءُ فَرْضِ الصِّيَامِ كَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَيُؤَيِّدُ دَعْوَى النَّسْخِ رُجُوعُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ الْفَتْوَى بِذَلِكَ كَمَا فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " أَنَّهُ لَمَّا أُخْبِرَ بِمَا قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَعَائِشَةُ فَقَالَ: هُمَا أَعْلَمُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَفِي رِوَايَةِ ابْنُ جُرَيْجٍ فَرَجَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَمَّا كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ، وَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ النَّسَائِيّ أَنَّهُ رَجَعَ، وَكَذَا عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَحَالَ بِذَلِكَ عَلَى الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ وَوَقَعَ نَحْوُ ذَلِكَ فِي الْبُخَارِيِّ وَقَالَ: إنَّهُ حَدَّثَهُ بِذَلِكَ الْفَضْلُ.

وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أُسَامَةُ.

وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: " كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَقَدْ أَفْطَرَ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ كَيْسِ أَبِي هُرَيْرَةَ " فَقَالَ الْحَافِظُ: لَا يَصِحُّ ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ قَيْسٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ. وَمِنْ حُجَجِ مَنْ سَلَكَ طَرِيقَ التَّرْجِيحِ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إنَّهُ صَحَّ وَتَوَاتَرَ حَدِيثُ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِذَلِكَ، وَأَيْضًا رِوَايَةُ اثْنَيْنِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى رِوَايَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا سِيَّمَا وَهُمَا زَوْجَتَانِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالزَّوْجَاتُ أَعْلَمُ بِأَحْوَالِ الْأَزْوَاجِ، وَأَيْضًا رِوَايَتُهُمَا مُوَافِقَةٌ لِلْمَنْقُولِ، وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَدْلُولِ الْآيَةِ وَلِلْمَعْقُولِ، وَهُوَ أَنَّ الْغُسْلَ شَيْءٌ وَجَبَ بِالْإِنْزَالِ وَلَيْسَ فِي فِعْلِهِ شَيْءٌ يُحَرَّمُ عَلَى الصَّائِمِ، فَإِنَّ الصَّائِمَ قَدْ يَحْتَلِمُ بِالنَّهَارِ فَيَجِب عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَلَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ بَلْ يُتِمُّهُ إجْمَاعًا قَوْلُهُ: (وَلَا يَقْضِي) عَزَاهُ الْمُصَنِّفُ إلَى الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَلَمْ نَجِدْهُ فِي الْبُخَارِيِّ، بَلْ هُوَ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ فَيُنْظَرُ ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>