للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

غَايَةِ الْبُعْدِ. قَوْلُهُ: (وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي) فِي رِوَايَةٍ: " أَنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ " وَبِهَذَا اسْتَدَلَّتْ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْجُمْهُورُ حَمَلُوا الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَقَالُوا: لَا كَفَّارَةَ إلَّا فِي الْجِمَاعِ. قَوْلُهُ: (رَقَبَةً) اسْتَدَلَّتْ الْحَنَفِيَّةُ بِإِطْلَاقِ الرَّقَبَةِ عَلَى جَوَازِ إخْرَاجِ الرَّقَبَةِ الْكَافِرَةِ. وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، وَالْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ مَبْسُوطٌ فِي الْأُصُولِ.

قَوْلُهُ: (سِتِّينَ مِسْكِينًا) قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: أَضَافَ الْإِطْعَامَ الَّذِي هُوَ مَصْدَرُ أَطْعَمَ إلَى سِتِّينَ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مَوْجُودًا فِي حَقِّ مَنْ أَطْعَمَ سِتَّةَ مَسَاكِينَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ مَثَلًا، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ. وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: إنَّهُ لَوْ أَطْعَمَ الْجَمِيعَ مِسْكِينًا وَاحِدًا فِي سِتِّينَ يَوْمًا كَفَى، وَيَدُلُّ عَلَى قَوْلِهِمْ. قَوْلُهُ: " فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ " وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ بِالْجِمَاعِ خِلَافًا لِمَنْ شَذَّ فَقَالَ: لَا تَجِبُ، مُسْتَنِدًا إلَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَمَا سَقَطَتْ بِالْإِعْسَارِ. وَتُعُقِّبَ بِمَنْعِ السُّقُوطِ كَمَا سَيَأْتِي، وَفِيهِ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُجْزِئُ التَّكْفِيرُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ الْخِصَالِ.

وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ إلَّا الْإِطْعَامُ وَالْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ التَّكْفِيرُ بِغَيْرِ هَذِهِ الثَّلَاثِ.

وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ يُجْزِئُ إهْدَاءُ الْبَدَنَةِ كَمَا فِي الْمُوَطَّأِ عَنْهُ مُرْسَلًا. وَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَذَّبَ مَنْ نَقَلَ عَنْهُ ذَلِكَ. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَيْضًا أَنَّ الْكَفَّارَةَ بِالْخِصَالِ الثَّلَاثِ عَلَى التَّرْتِيبِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَقَلَهُ مِنْ أَمْرٍ بَعْدَ عَدَمِهِ إلَى أَمْرٍ آخَرَ، وَلَيْسَ هَذَا شَأْنَ التَّخْيِيرِ، وَنَازَعَ عِيَاضٌ فِي ظُهُورِ دَلَالَةِ التَّرْتِيبِ فِي السُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إنَّ مِثْلَ هَذَا السُّؤَالِ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا هُوَ عَلَى التَّخْيِيرِ وَقَرَّرَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: إنَّ تَرْتِيبَ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ عَلَى الثَّانِي بِالْفَاءِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ التَّخْيِيرِ مَعَ كَوْنِهَا فِي مَعْرِضِ الْبَيَانِ وَجَوَابِ السُّؤَالِ فَتَنَزُّلُهُ مَنْزِلَةَ الشَّرْطِ، وَإِلَى الْقَوْلِ بِالتَّرْتِيبِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ.

وَقَدْ وَقَعَ فِي الرِّوَايَاتِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ وَالتَّخْيِيرِ وَاَلَّذِينَ رَوَوْا التَّرْتِيبَ أَكْثَرُ وَمَعَهُمْ الزِّيَادَةُ. وَجَمَعَ الْمُهَلَّبُ وَالْقُرْطُبِيُّ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ بِتَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ وَالْمَخْرَجَ مُتَّحِدٌ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّعَدُّدِ وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بِحَمْلِ التَّرْتِيبِ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ وَالتَّخْيِيرِ عَلَى الْجَوَازِ وَعَكَسَهُ بَعْضُهُمْ. قَوْلُهُ: (فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ لِلْأَكْثَرِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَالرَّجُلُ الْآتِي لَمْ يُسَمَّ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: " فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ " وَفِي أُخْرَى لِلدَّارَقُطْنِيِّ " رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ قَوْلُهُ: (بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ بَعْدَهَا قَافٌ، وَفِي رِوَايَةِ الْقَابِسِيِّ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ، وَقَدْ أُنْكِرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَالصَّوَابُ الْفَتْحُ كَمَا قَالَ عِيَاضٌ. وَقَالَ الْحَافِظُ: الْإِسْكَانُ لَيْسَ بِمُنْكَرٍ وَهُوَ الزِّنْبِيلُ، وَالزِّنْبِيلُ: هُوَ الْمِكْتَلُ. قَالَ فِي الصِّحَاحِ: الْمِكْتَلُ يُشْبِهُ الزِّنْبِيلَ يَسَعُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا. وَوَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>