للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

وَيُعَجِّلُ الصَّلَاةَ؟ فَقِيلَ لَهَا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَتْ: هَكَذَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَالْآخَرُ أَبُو مُوسَى.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ آخَرُ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ مَاجَهْ بِلَفْظِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِرًا مَا عَجَّلَ النَّاسُ الْفِطْرَ؛ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ» .

وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ حَدِيثٌ آخَرُ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ بِلَفْظِ: «لَا تَزَالُ أُمَّتِي عَلَى سُنَّتِي مَا لَمْ تَنْتَظِرْ بِفِطْرِهَا النُّجُومَ» . وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ أَحْمَدَ وَسَيَأْتِي. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ أَشَارَ إلَيْهِمَا التِّرْمِذِيُّ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَحَادِيثُ تَعْجِيلِ الْإِفْطَارِ وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ صِحَاحٌ مُتَوَاتِرَةٌ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ قَالَ الْحَافِظُ: صَحِيحٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونَ الْأَوْدِيِّ قَالَ: «كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْرَعَ النَّاسِ إفْطَارًا وَأَبْطَأَهُمْ سُحُورًا» قَوْلُهُ: (إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ) زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ " مِنْ هَاهُنَا، وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ قِبَلَ الْمَشْرِقِ " وَالْمُرَادُ وُجُودُ الظُّلْمَةِ.

قَوْلُهُ: (وَأَدْبَرَ النَّهَارُ) زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ: " مِنْ هَاهُنَا " يَعْنِي مِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ. قَوْلُهُ: (وَغَابَتْ الشَّمْسُ) فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ " ذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ثَلَاثَةَ أُمُورٍ وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ مُتَلَازِمَةً فِي الْأَصْلِ لَكِنَّهَا قَدْ تَكُونُ فِي الظَّاهِرِ غَيْرَ مُتَلَازِمَةٍ، فَقَدْ يَظُنُّ إقْبَالَ اللَّيْلِ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ وَلَا يَكُونُ قُبَالَهُ حَقِيقَةً بَلْ لِوُجُودِ أَمْرٍ يُغَطِّي ضَوْءَ الشَّمْسِ وَكَذَلِكَ إدْبَارُ النَّهَارِ، فَمِنْ ثَمَّ قَيَّدَ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ قَوْلَهُ: (فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ) أَيْ دَخَلَ فِي وَقْتِ الْفِطْرِ كَمَا يُقَالُ أَنْجَدَ: إذَا أَقَامَ بِنَجْدٍ، وَأَتْهَمَ: إذَا أَقَامَ بِتِهَامَةَ.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ فَقَدْ صَارَ مُفَطِّرًا فِي الْحُكْمِ لِكَوْنِ اللَّيْلِ لَيْسَ ظَرْفًا لِلصِّيَامِ الشَّرْعِيِّ. وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: هُوَ لَفْظُ خَبَرٍ وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ: أَيْ فَلْيُفْطِرْ، وَيُرَجِّحُ الْأَوَّلَ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: " فَقَدْ حَلَّ الْإِفْطَارُ ". قَوْلُهُ: (مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ) زَادَ أَبُو ذَرٍّ فِي حَدِيثِهِ " وَأَخَّرُوا السُّحُورَ " أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَسَيَأْتِي. وَمَا ظَرْفِيَّةٌ: أَيْ مُدَّةَ فِعْلِهِمْ ذَلِكَ امْتِثَالًا لِلسُّنَّةِ وَوُقُوفًا عِنْدَ حَدِّهَا. قَالَ الْمُهَلِّبُ: وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ لَا يُزَادَ فِي النَّهَارِ مِنْ اللَّيْلِ وَلِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِالصَّائِمِ وَأَقْوَى لَهُ عَلَى الْعِبَادَةِ اهـ. وَأَيْضًا فِي تَأْخِيرِهِ تَشَبُّهٌ بِالْيَهُودِ فَإِنَّهُمْ يُفْطِرُونَ عِنْدَ ظُهُورِ النُّجُومِ، وَقَدْ كَانَ الشَّارِعُ يَأْمُرُ بِمُخَالَفَتِهِمْ فِي أَفْعَالِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ، وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا تَحَقَّقَ غُرُوبُ الشَّمْسِ بِالرُّؤْيَةِ أَوْ بِإِخْبَارِ عَدْلَيْنِ أَوْ عَدْلٍ، وَقَدْ صَرَّحَ الْحَدِيثُ الْقُدْسِيُّ بِأَنَّ مُعَجِّلَ الْإِفْطَارِ أَحَبُّ عِبَادِ اللَّهِ إلَيْهِ، فَلَا يَرْغَبُ عَنْ الِاتِّصَافِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ إلَّا مَنْ كَانَ حَظُّهُ مِنْ الدِّينِ قَلِيلًا كَمَا تَفْعَلُهُ الرَّافِضَةُ، وَلَا يَجِبُ تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ إذْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُوَاصَلَةِ إلَى السَّحَرِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>