بَابُ صَوْمُ النَّذْرِ عَنْ الْمَيِّتِ
١٧٠٢ - (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ فَأَصُومُ عَنْهَا؟ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِهِ أَكَانَ يُؤَدَّى ذَلِكَ عَنْهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ» أَخْرَجَاهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ: «أَنَّ امْرَأَةً رَكِبَتْ الْبَحْرَ فَنَذَرَتْ إنْ اللَّهُ نَجَّاهَا أَنْ تَصُومَ شَهْرًا، فَأَنْجَاهَا اللَّهُ فَلَمْ تَصُمْ حَتَّى مَاتَتْ،
ــ
[نيل الأوطار]
جَوَازَ التَّأْخِيرِ مُقَيَّدًا بِالْعُذْرِ الْمُسَوِّغِ بِذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَيُطْعِمُ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا) اسْتَدَلَّ بِهِ وَبِمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهُ مَنْ قَالَ: بِأَنَّهَا تَلْزَمُ الْفِدْيَةُ مَنْ لَمْ يَصُمْ مَا فَاتَ عَلَيْهِ فِي رَمَضَانَ حَتَّى حَالَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ آخَرُ وَهُمْ الْجُمْهُورُ، وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ قَالَ: وَجَدْتُهُ عَنْ سِتَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ لَا أَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا. وَقَالَ النَّخَعِيّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: إنَّهَا لَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤] وَلَمْ يَذْكُرْهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا قَدْ ذُكِرَتْ فِي الْحَدِيثِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهَا قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: ١٨٤] قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَنَسْخُ التَّخْيِيرِ لَا يَنْسَخُ وُجُوبَهَا عَلَى مَنْ أَفْطَرَ مُطْلَقًا إلَّا مَا خَصَّهُ الْإِجْمَاعُ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: إنْ تَرَكَ الْأَدَاءَ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَجَبَتْ وَإِلَّا فَلَا، وَحُكِيَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إنْ تَرَكَ الْقَضَاءَ حَتَّى حَالَ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا. وَأُجِيبَ عَنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يُفَرِّقْ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ، وَأَقْوَالُ الصَّحَابَةِ لَا حُجَّةَ فِيهَا، وَذَهَابُ الْجُمْهُورِ إلَى قَوْلٍ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْحَقُّ، وَالْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ قَاضِيَةٌ بِعَدَمِ وُجُوبِ الِاشْتِغَالِ بِالْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ النَّاقِلُ عَنْهَا وَلَا دَلِيلَ هَهُنَا، فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْوُجُوبِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ هَلْ يَسْقُطُ بِهَا أَمْ لَا، فَذَهَبَ الْأَكْثَرُ مِنْهُمْ إلَى أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَقَتَادَةُ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: إنَّهُ يَسْقُطُ. وَالْخِلَافُ فِي مِقْدَارِ الْفِدْيَةِ هَهُنَا كَالْخِلَافِ فِي مِقْدَارِهَا فِي حَقِّ الشَّيْخِ الْعَاجِزِ عَنْ الصَّوْمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ قَوْلُهُ: (إذَا مَرِضَ الرَّجُلُ فِي رَمَضَانَ. . . إلَخْ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ الْإِطْعَامِ مِنْ تَرِكَةِ مَنْ مَاتَ فِي رَمَضَانَ بَعْدَ أَنْ فَاتَ عَلَيْهِ بَعْضُهُ، وَفِيهِ خِلَافٌ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْوُجُوبِ لِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابَةِ لَا حُجَّةَ فِيهِ، وَوَقَعَ التَّرَدُّدُ فِيمَنْ مَاتَ آخِرَ شَعْبَانَ، وَقَدْ رُجِّحَ فِي الْبَحْرِ عَدَمُ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْبَرَاءَةُ قَوْلُهُ: (وَإِنْ نَذَرَ قَضَى عَنْهُ وَلِيُّهُ) سَيَأْتِي الْبَحْثُ عَنْ هَذَا قَرِيبًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute