. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ: هَذِهِ السُّنَّةُ ثَابِتَةٌ لَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي صِحَّتِهَا، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ صَوْمَ الْوَلِيِّ عَنْ الْمَيِّتِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَبَالَغَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمَنْ تَبِعَهُ فَادَّعَوْا الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ. وَتَعَقَّبَ بِأَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الظَّاهِرِ يَقُولُ بِوُجُوبِهِ وَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ إلَى أَنَّهُ لَا يُصَامُ عَنْ الْمَيِّتِ مُطْلَقًا، وَبِهِ قَالَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَالْهَادِي وَالْقَاسِمُ. وَقَالَ اللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ: إنَّهُ لَا يُصَامُ عَنْهُ إلَّا النَّذْرُ. وَتَمَسَّكَ الْمَانِعُونَ مُطْلَقًا بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: " لَا يُصَلِّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يَصُمْ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ " أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ قَوْلِهِ. وَرَوَى مِثْلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ، وَبِمَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: " لَا تَصُومُوا عَنْ مَوْتَاكُمْ وَأَطْعِمُوا عَنْهُمْ " قَالُوا: فَلَمَّا أَفْتَى ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ بِخِلَافِ مَا رَوَيَاهُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى خِلَافِ مَا رَوَيَاهُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ لَهُمْ مَعْرُوفَةٌ، إلَّا أَنَّ الْآثَارَ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ فِيهَا مَقَالٌ وَلَيْسَ فِيهَا مَا يَمْنَعُ مِنْ الصِّيَامِ إلَّا الْأَثَرُ الَّذِي عَنْ عَائِشَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا انْتَهَى، وَهَذَا بِنَاءٌ مِنْ صَاحِبِ الْفَتْحِ، عَلَى أَنَّ لَفْظَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَالِكَ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَكِنَّهُ ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ سَابِقًا. وَالْحَقُّ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِمَا رَوَاهُ الصَّحَابِيُّ لَا بِمَا رَآهُ، وَالْكَلَامُ فِي هَذَا مَبْسُوطٌ فِي الْأُصُولِ. وَاَلَّذِي رُوِيَ مَرْفُوعًا صَرِيحٌ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمَانِعِينَ، وَقَدْ اعْتَذَرُوا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: " صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ " أَيْ فَعَلَ عَنْهُ مَا يَقُومُ مَقَامَ الصَّوْمِ وَهُوَ الْإِطْعَامُ، وَهَذَا عُذْرٌ بَارِدٌ لَا يَتَمَسَّكُ بِهِ مُنْصِفٌ فِي مُقَابَلَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَمِنْ جُمْلَةِ أَعْذَارِهِمْ أَنَّ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَهُوَ عُذْرٌ أَبْرَدُ مِنْ الْأَوَّلِ. وَمِنْ أَعْذَارِهِمْ أَنَّ الْحَدِيثَ مُضْطَرِبٌ، وَهَذَا إنْ تَمَّ لَهُمْ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمْ يَتِمَّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، فَإِنَّهُ لَا اضْطِرَابَ فِيهِ بِلَا رَيْبٍ وَتَمَسَّكَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ فِي النَّذْرِ دُونَ غَيْرِهِ بِأَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ مُطْلَقٌ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسِ مُقَيَّدٌ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالصِّيَامِ صِيَامُ النَّذْرِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا تَعَارُضٌ حَتَّى يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا، فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ صُورَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ يَسْأَلُ عَنْهَا مَنْ وَقَعَتْ لَهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَهُوَ تَقْرِيرُ قَاعِدَةٍ عَامَّةٍ، وَقَدْ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ إلَى نَحْوِ هَذَا الْعُمُومِ حَيْثُ قَالَ فِي آخَرِهِ: " فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى " انْتَهَى. وَإِنَّمَا قَالَ: إنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ صُورَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، يَعْنِي أَنَّهُ مِنْ التَّنْصِيصِ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ فَلَا يَصْلُحُ لِتَخْصِيصِهِ وَلَا لِتَقْيِيدِهِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ قَوْلُهُ: (صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ) لَفْظُ الْبَزَّارِ " فَلْيَصُمْ عَنْهُ وَلِيُّهُ إنْ شَاءَ " قَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ: وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: اخْتَلَفَ الْمُجِيزُونَ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ " وَلِيُّهُ " فَقِيلَ كُلُّ قَرِيبٍ، وَقِيلَ: الْوَارِثُ خَاصَّةً. قِيلَ: عَصَبَتُهُ، وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ، وَالثَّانِي قَرِيبٌ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute