. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ، وَفِي إسْنَادِهِ مَهْدِيٌّ الْهَجَرِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ. وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ مِنْ طَرِيقِهِ وَقَالَ: لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ. قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَسَانِيدَ جِيَادٍ أَنَّهُ لَمْ يَصُمْ يَوْمَ عَرَفَةَ بِهَا، وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ النَّهْيُ عَنْ صِيَامِهِ.
وَحَدِيثُ أُمِّ الْفَضْلِ أَخْرَجَ نَحْوَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: «حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَصُمْ وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ كَذَلِكَ وَمَعَ عُثْمَانَ فَلَمْ يَصُمْ، وَأَنَا لَا أَصُومُهُ وَلَا آمُرُ بِهِ وَلَا أَنْهَى عَنْهُ» وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَدِيثِ عُقْبَةَ فِي مَعْنَاهُ أَحَادِيثُ يَأْتِي ذِكْرُ بَعْضِهَا فِي بَابِ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ قَوْلُهُ: (صِيَامُ عَاشُورَاءَ) سَيَأْتِي الْبَحْثُ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ: " وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ " قَوْلُهُ: (وَالْعَشْرُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ صَوْمِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَعَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَصُومُ يَوْمَ عَرَفَةَ. وَرِوَايَةُ أَبِي دَاوُد الَّتِي قَدَّمْنَا بِلَفْظِ " تِسْعِ ذِي الْحِجَّةِ " قَوْلُهُ: (صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ. . . إلَخْ) فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ، وَقَدْ اُسْتُشْكِلَ تَكْفِيرُهُ السَّنَةَ الْآتِيَةَ؛ لِأَنَّ التَّكْفِيرَ: التَّغْطِيَةُ، وَلَا تَكُونُ إلَّا لِشَيْءٍ قَدْ وَقَعَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ يُكَفِّرُهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ، أَوْ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَلْطُفُ بِهِ فَلَا يَأْتِي بِذَنْبٍ فِيهَا بِسَبَبِ صِيَامِهِ ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَقَدْ قَيَّدَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ بِالصَّغَائِرِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ صَغَائِرَ كُفِّرَ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَبَائِرَ كَانَ زِيَادَةً فِي رَفْعِ الدَّرَجَاتِ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَكَذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي مَعْنَاهُ الَّتِي قَدَّمْنَا الْإِشَارَةَ إلَيْهَا، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ عُمَرُ وَعَائِشَةُ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ وَالْعِتْرَةُ، وَكَانَ ذَلِكَ يُعْجِبُ الْحَسَنَ وَيَحْكِيهِ عَنْ عُثْمَانَ. قَالَ قَتَادَةُ: إنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إذْ لَمْ يَضْعُفْ عَنْ الدُّعَاءِ، وَنَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ، وَاخْتَارَهُ الْخَطَّابِيِّ وَالْمُتَوَلِّي مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، وَحُكِيَ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إفْطَارُهُ، حَتَّى قَالَ عَطَاءُ: مَنْ أَفْطَرَهُ لِيَتَقَوَّى بِهِ عَلَى الذِّكْرِ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الصَّائِمِ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ: إنَّهُ يَجِبُ فِطْرُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِلْحَاجِّ. وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ مُطْلَقًا وَظَاهِرُ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ أَيْضًا أَنَّهُ يُكْرَهُ صَوْمُهُ مُطْلَقًا لِجَعْلِهِ قَرِيبًا فِي الذِّكْرِ لِيَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَتَعْلِيلُ ذَلِكَ بِأَنَّهَا عِيدٌ وَأَنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ. وَظَاهِرُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَوْمُهُ بِعَرَفَاتٍ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ صَوْمَ هَذَا الْيَوْمِ مُسْتَحَبٌّ لِكُلِّ أَحَدٍ، مَكْرُوهٌ لِمَنْ كَانَ بِعَرَفَاتٍ حَاجًّا. وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ مُؤَدِّيًا إلَى ضَعْفٍ عَنْ الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ هُنَالِكَ وَالْقِيَامِ بِأَعْمَالِ الْحَجِّ، وَقِيلَ: الْحِكْمَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute