. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
شَعْبَانَ. وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا» أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ
وَقَالَ الرُّويَانِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ. يَحْرُمُ التَّقَدُّمُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لِحَدِيثِ الْبَابِ، وَيُكْرَهُ التَّقَدُّمَ مِنْ نِصْفِ شَعْبَانَ لِلْحَدِيثِ الْآخَرِ. وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: يَجُوزُ الصَّوْمُ تَطَوُّعًا بَعْدَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَضَعَّفُوا الْحَدِيثَ الْوَارِدَ فِي النَّهْيِ عَنْهُ. وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ: إنَّهُ مُنْكَرٌ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى ضَعْفِهِ بِحَدِيثِ الْبَابِ، وَكَذَا صَنَعَ قَبْلَهُ الطَّحَاوِيُّ وَاسْتَظْهَرَ بِحَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَعْبَانُ» لَكِنَّ إسْنَادَهُ ضَعِيفٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاسْتَظْهَرَ أَيْضًا بِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ لِقَوْلِهِ فِيهِ " مِنْ سَرَرِ شَعْبَانَ وَالسَّرَرُ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا وَضَمُّهَا، وَيُقَالُ أَيْضًا سِرَارٌ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِهِ، وَرَجَّحَ الْفَرَّاءُ الْفَتْحَ وَهُوَ مِنْ الِاسْتِسْرَارِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْجُمْهُورُ. وَالْمُرَادُ بِالسَّرَرِ هُنَا آخِرُ الشَّهْرِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاسْتِسْرَارِ الْقَمَرِ فِيهَا وَهِيَ لَيْلَةُ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَتِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِينَ. وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ سَرَرَهُ أَوَّلُهُ. وَنَقَلَ الْخَطَّابِيِّ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ كَالْجُمْهُورِ. وَقِيلَ: السَّرَرُ وَسَطُ الشَّهْرِ حَكَاهُ. أَبُو دَاوُد أَيْضًا وَرَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ. وَوَجَّهَهُ بِأَنَّ السَّرَرَ جَمْعُ سُرَّةٍ، وَسُرَّةُ الشَّيْءِ: وَسَطُهُ. وَيُؤَيِّدُهُ النَّدْبُ إلَى صِيَامِ الْبِيضِ وَهِيَ وَسَطٌ، وَإِنْ لَمْ يَرِدْ فِي صِيَامِ آخِرِ الشَّهْرِ نَدْبٌ بَلْ وَرَدَ فِيهِ نَهْيٌ خَاصٌّ بِآخِرِ شَعْبَانَ لَمَنْ صَامَهُ لِأَجْلِ رَمَضَانَ. وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ مُسْلِمًا أَفْرَدَ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِيهَا سُرَّةُ هَذَا الشَّهْرِ عَنْ بَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ وَأَرْدَفَ بِهَا الرِّوَايَاتِ الَّتِي فِيهَا الْحَضُّ عَلَى صِيَامِ الْبِيضِ وَهِيَ وَسَطُ الشَّهْرِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَدْ قَالَ الْخَطَّابِيِّ: إنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ سُؤَالَهُ عَنْ ذَلِكَ سُؤَالُ زَجْرٍ وَإِنْكَارٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَهَى أَنْ يُسْتَقْبَلَ الشَّهْرُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ ذَلِكَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِقَضَائِهِ. وَأَجَابَ الْخَطَّابِيِّ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ، فَلِذَلِكَ أَمَرَهُ بِالْوَفَاءِ وَأَنْ يَقْضِيَ ذَلِكَ فِي شَوَّالٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ تَقَدُّمِ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إنَّمَا هُوَ لِمَنْ يَقْصِدُ بِهِ التَّحَرِّيَ لِأَجْلِ رَمَضَانَ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ النَّهْيُ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ حَدِيثِ النَّهْيِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهُ إلَّا مَنْ كَانَتْ لَهُ عَادَةٌ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ مُمْكِنٌ بِحَمْلِ النَّهْيِ عَلَى مَنْ لَيْسَتْ لَهُ عَادَةٌ بِذَلِكَ، وَحَمْلُ الْأَمْرِ عَلَى مَنْ لَهُ عَادَةٌ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَقَدْ اسْتَثْنَى مَنْ لَهُ عَادَةٌ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ بِقَوْلِهِ: " إلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ " فَلَا يَجُوزُ صَوْمُ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ الَّذِي لَمْ تَجْرِ بِهِ عَادَةٌ، وَكَذَلِكَ يُحْمَلُ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ عَلَى مَنْ كَانَ مُعْتَادًا لِلصَّوْمِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: إنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُتَقَدِّمِ بِأَكْثَرَ مِنْ يَوْمَيْنِ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute