. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
وَمَالِكٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَالزُّهْرِيُّ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَمِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ الْهَادِي وَالْقَاسِمُ وَالنَّاصِرُ وَالْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ وَأَبُو طَالِبٍ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّطَيُّبُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ. وَاخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ مُحَرَّمٌ أَوْ مَكْرُوهٌ؟ وَهَلْ تَلْزَمُ الْفِدْيَةُ أَوْ لَا؟ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا مَا وَقَعَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ بِلَفْظِ: «ثُمَّ طَافَ عَلَى نِسَائِهِ ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا» وَالطَّوَافُ: الْجِمَاعُ وَمِنْ لَازِمِهِ الْغُسْلُ بَعْدَهُ، فَهَذَا يَدُلُّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اغْتَسَلَ بَعْدَ أَنْ تَطَيَّبَ. وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا بِمَا فِي الْبُخَارِيِّ أَيْضًا بِلَفْظِ: «ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا يَنْضَحُ طِيبًا» وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ نَضْحَ الطِّيبِ وَظُهُورَ رَائِحَتِهِ كَانَ فِي حَالِ إحْرَامِهِ، وَدَعْوَى بَعْضِهِمْ أَنَّ فِيهِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا، وَالتَّقْدِيرُ: طَافَ عَلَى نِسَائِهِ يَنْضَحُ طِيبًا ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَيَرُدُّهُ قَوْلُ عَائِشَةَ الْمَذْكُورُ: " ثُمَّ أَرَى وَبِيصَ الدُّهْنِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ " وَفِي رِوَايَةٍ لَهَا " ثُمَّ أَرَاهُ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ " وَفِي رِوَايَةِ لِلنَّسَائِيِّ وَابْنِ حِبَّانَ «رَأَيْتُ الطِّيبَ فِي مَفْرِقِهِ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ» وَفِي رِوَايَةٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا «كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفْرِقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ أَيَّامٍ» وَلِمُسْلِمٍ " وَبِيصَ الْمِسْكِ " وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي بَابِ مَنْعِ الْمُحْرِمِ مِنْ ابْتِدَاءِ الطِّيبِ
وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الثَّوْبِ الَّذِي مَسَّهُ الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ كَمَا سَيَأْتِي فِي أَبْوَابِ مَا يَتَجَنَّبُهُ الْمُحْرِمُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَحْرِيمَ الطِّيبِ عَلَى مَنْ قَدْ صَارَ مُحْرِمًا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَالنِّزَاعُ إنَّمَا هُوَ فِي التَّطَيُّبِ عِنْدَ إرَادَةِ الْإِحْرَامِ وَاسْتِمْرَارِ أَثَرِهِ لَا ابْتِدَائِهِ. وَمِنْهَا أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَعْرَابِيِّ بِنَزْعِ الْمِنْطَقَةِ وَغَسْلِهَا عَنْ الْخَلُوقِ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَيُجَاب عَنْهُ بِمِثْلِ الْجَوَابِ عَنْ الَّذِي قَبْلَهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ غَايَةَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ تَحْرِيمُ لُبْسِ مَا مَسَّهُ الطِّيبُ. وَمَحَلُّ النِّزَاعِ تَطَيُّبُ الْبَدَنِ، وَلَكِنَّهُ سَيَأْتِي فِي بَابِ مَا يَصْنَعُ مَنْ أَحْرَمَ فِي قَمِيصٍ أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ سَأَلَهُ بِأَنَّهُ يَغْسِلَ الْخَلُوقَ عَنْ بَدَنِهِ وَسَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْهُ. وَقَدْ أَجَابَ عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ الْمُهَلَّبُ وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَصَّارِ وَأَبُو الْفَرَجِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ
وَيَرُدُّهُ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كُنَّا نَنْضَحُ وُجُوهَنَا بِالْمِسْكِ الطَّيِّبِ قَبْلَ أَنْ نُحْرِمَ ثُمَّ نُحْرِمُ فَنَعْرَقُ وَيَسِيلُ عَلَى وُجُوهِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَنْهَانَا» وَهُوَ صَرِيحٌ فِي بَقَاءِ عَيْنِ الطِّيبِ وَفِي عَدَمِ اخْتِصَاصِهِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَسَيَأْتِي الْحَدِيثُ فِي بَابِ مَنْعِ الْمُحْرِمِ مِنْ ابْتِدَاءِ الطِّيبِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا يُقَالُ: إنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالنِّسَاءِ لِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ النِّسَاءَ وَالرِّجَالَ سَوَاءٌ فِي تَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِ الطِّيبِ إذَا كَانُوا مُحْرِمِينَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ ذَلِكَ طِيبًا لَا رَائِحَةَ لَهُ لِمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ عَنْ عَائِشَةَ " بِطِيبٍ لَا يُشْبِهُ طِيبَكُمْ " قَالَ بَعْضُ رُوَاتِهِ: يَعْنِي لَا بَقَاءَ لَهُ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ. وَيَرُدُّهُ مَا تَقَدَّمَ فِي الَّذِي قَبْلَهُ، وَأَيْضًا الْمُرَادُ بِقَوْلِهَا " لَا يُشْبِهُ طِيبَكُمْ " أَيْ أَطْيَبَ مِنْهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْهَا بِلَفْظِ: " بِطِيبٍ فِيهِ مِسْكٌ " وَفِي أُخْرَى عَنْهَا لَهُ " كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الْمِسْكِ " وَأَوْضَحُ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute