للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ الِاشْتِرَاطِ فِي الْإِحْرَامِ

١٨٣٥ - (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ ضُبَاعَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ ثَقِيلَةٌ، وَإِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي أُهِلُّ؟ فَقَالَ: أَهِلِّي وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي، قَالَ: فَأَدْرَكَتْ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ، وَلِلنَّسَائِيِّ فِي رِوَايَةٍ " قَالَ: فَإِنَّ لَكِ عَلَى رَبِّكِ مَا اسْتَثْنَيْتِ ") .

ــ

[نيل الأوطار]

وَغَيْرُهُ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا قِيلَ لَهُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْبَيْدَاءِ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَقَالَ: «الْبَيْدَاءُ الَّتِي تَكْذِبُونَ فِيهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يَعْنِي بِقَوْلِكُمْ إنَّهُ أَهَلَّ مِنْهَا، وَإِنَّمَا أَهَلَّ مِنْ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ» وَهُوَ يُشِيرُ إلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكِبَ رَاحِلَتَهُ حَتَّى اسْتَوَتْ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ، وَإِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ، وَالتَّكْذِيبُ الْمَذْكُورُ الْمُرَادُ بِهِ الْإِخْبَارُ عَنْ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ الْوَاقِعِ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ عَلَى وَجْهِ الْعَمْدِ قَوْلُهُ: (ادَّهَنَ بِدُهْنٍ لَيْسَ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ) فِيهِ جَوَازُ الِادِّهَانُ بِالْأَدْهَانِ الَّتِي لَيْسَتْ لَهَا رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ. وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ادَّهَنَ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ الدُّهْنِ " قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَأْكُلَ الزَّيْتَ وَالشَّحْمَ وَأَنْ يَسْتَعْمِلَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ بَدَنِهِ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الطِّيبَ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي بَدَنِهِ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ الطِّيبِ وَالزَّيْتِ فِي هَذَا، فَقِيَاسُ كَوْنِ الْمُحْرِمِ مَمْنُوعًا مِنْ اسْتِعْمَالِهِ الطِّيبَ فِي رَأْسِهِ أَنْ يُبَاحَ لَهُ اسْتِعْمَالُ الزَّيْتِ فِي رَأْسِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الطِّيبِ. قَوْلُهُ: (عَلَى حَبَلِ الْبَيْدَاءِ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ: هُوَ الرَّمْلُ الْمُسْتَطِيلُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: " عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ " وَالشَّرَفُ: الْمَكَانُ الْعَالِي قَوْلُهُ: (فَمِنْ هُنَاكَ اخْتَلَفُوا. . . إلَخْ) هَذَا الْحَدِيثُ يَزُولُ بِهِ الْإِشْكَالُ. وَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ بِمَا فِيهِ، فَيَكُونُ شُرُوعُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْإِهْلَالِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ صَلَاتِهِ بِمَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ فِي مَجْلِسِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْكَبَ، فَنَقَلَ عَنْهُ مَنْ سَمِعَهُ يُهِلُّ هُنَالِكَ أَنَّهُ أَهَلَّ بِذَلِكَ الْمَكَانِ، ثُمَّ أَهَلَّ لَمَّا اسْتَقَلَّتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، فَظَنَّ مَنْ سَمِعَ إهْلَالَهُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ إهْلَالَهُ بِالْمَسْجِدِ فَقَالَ: إنَّمَا أَهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، ثُمَّ رَوَى كَذَلِكَ مَنْ سَمِعَهُ يُهِلُّ عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ لِمَنْ كَانَ مِيقَاتُهُ ذَا الْحُلَيْفَةِ أَنْ يُهِلَّ فِي مَسْجِدِهَا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ. وَيُكَرِّرُ الْإِهْلَالَ عِنْدَ أَنْ يَرْكَبَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَعِنْدَ أَنْ يَمُرَّ بِشَرَفِ الْبَيْدَاءِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَدْ اتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى جَوَازِ جَمِيعِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأَفْضَلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>