. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
الْأَوَّلُ فِي إسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَفِيهِ مَقَالٌ.
وَحَدِيثُهُ الثَّانِي قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: صَحِيحٌ، وَفِي إسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى. وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ، انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ. وَلَيْسَ فِي التِّرْمِذِيِّ إلَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ الَّذِي عَزَاهُ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَهُوَ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا اخْتَلَفَ لَفْظُهُمَا جَعَلَهُمَا الْمُصَنِّفُ حَدِيثَيْنِ. قَوْلُهُ: (أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي. . . إلَخْ) اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الصَّوْتِ لِلرَّجُلِ بِالتَّلْبِيَةِ بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ نَفْسَهُ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ " أَصْحَابِي " النِّسَاءُ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَجْهَرُ بِهَا بَلْ تَقْتَصِرُ عَلَى إسْمَاعِ نَفْسِهَا. قَالَ الرُّويَانِيُّ: فَإِنْ رَفَعَتْ صَوْتَهَا لَمْ يَحْرُمْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ عَلَى الْمُصَحَّحِ بَلْ يَكُونُ مَكْرُوهًا، وَكَذَا قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الرِّفْعَةِ. وَذَهَبَ دَاوُد إلَى أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ وَاجِبٌ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ: " فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي " لَا سِيَّمَا وَأَفْعَالُ الْحَجِّ وَأَقْوَالُهُ بَيَانٌ لِمُجْمَلٍ وَاجِبٍ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: ٩٧] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» .
قَوْلُهُ: (حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّلْبِيَةَ تَسْتَمِرُّ إلَى رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَقْطَعُ الْمُحْرِمُ التَّلْبِيَةَ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ، لَكِنْ يُعَاوِدُ التَّلْبِيَةَ إذَا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ إلَى عَرَفَةَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَقْطَعُهَا إذَا رَاحَ إلَى الْمَوْقِفِ، رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنْ عَائِشَةَ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَلِيٍّ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَقَيَّدَهُ بِزَوَالِ الشَّمْسِ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ. وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ مِثْلُهُ لَكِنْ قَالَ: " إذَا صَلَّى الْغَدَاةَ يَوْمَ عَرَفَةَ " وَاخْتَلَفَ الْأَوَّلُونَ هَلْ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ مَعَ رَمْيِ أَوَّلِ حَصَاةٍ أَوْ عِنْدَ تَمَامِ الرَّمْيِ؟ فَذَهَبَ جُمْهُورُهُمْ إلَى الْأَوَّلِ وَإِلَى الثَّانِي أَحْمَدُ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَيَدُلُّ لَهُمْ مَا رَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الْفَضْلِ قَالَ: «أَفَضْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عَرَفَاتٍ فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَيُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ مَعَ آخِرِ حَصَاةٍ» قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُفَسِّرٌ لِمَا أُبْهِمَ فِي الرِّوَايَاتِ الْأُخْرَى، وَأَنَّ الْمُرَادَ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ: أَيْ أَتَمَّ رَمْيَهَا اهـ. وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ، فَإِنَّ هَذِهِ زِيَادَةٌ مَقْبُولَةٌ خَارِجَةٌ مِنْ مَخْرَجٍ صَحِيحٍ غَيْرُ مُنَافِيَةٍ لِلْمَزِيدِ وَقَبُولُهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ. قَوْلُهُ: (حَتَّى يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُلَبِّي فِي حَالِ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ وَبَعْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ وَفِي حَالِ مَشْيِهِ حَتَّى يَشْرَعَ فِي الِاسْتِلَامِ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْأَوْقَاتُ الَّتِي فِيهَا دُعَاءٌ مُخَصَّصٌ. وَقَدْ ذَهَبَ إلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ مِنْ تَرْكِ التَّلْبِيَةِ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الِاسْتِلَامِ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ، وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: يُلَبِّي وَلَكِنَّهُ يَخْفِضُ صَوْتَهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَحْمَدَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute