. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
رَاجِحَانِ عَلَيْهِ، وَأَقَلُّ الْأَحْوَالِ أَنْ يَكُونَا مُسَاوِيَيْنِ لَهُ فَتَسْقُطَ مُعَارَضَةُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِهِ
وَأَمَّا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ مِنْ أَنَّ الْمُتْعَةَ فِي الْحَجِّ كَانَتْ لَهُمْ خَاصَّةً فَيَرُدُّهُ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى جَوَازِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ مُتْعَةَ الْفَسْخِ فَفِيهِ تِلْكَ الِاحْتِمَالَاتُ. وَمِنْ جُمْلَةِ مَا احْتَجَّ بِهِ الْمَانِعُونَ مِنْ الْفَسْخِ أَنَّ مِثْلَ مَا قَالَهُ عُثْمَانُ وَأَبُو ذَرٍّ لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا مِنْ مَوَاطِنِ الِاجْتِهَادِ، وَمِمَّا لِلرَّأْيِ فِيهِ مَدْخَلٌ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّهُ قَالَ: «تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَزَلَ الْقُرْآنُ فَقَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ» فَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْ عِمْرَانَ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ التَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ مِنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ إنَّمَا هُوَ مَحْضٌ مِنْ الرَّأْيِ، فَكَمَا أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ التَّمَتُّعِ عَلَى الْعُمُومِ مِنْ قَبِيلِ الرَّأْيِ كَذَلِكَ دَعْوَى اخْتِصَاصِ التَّمَتُّعِ الْخَاصِّ أَعْنِي بِهِ الْفَسْخَ بِجَمَاعَةٍ مَخْصُوصَةٍ. وَمِنْ جُمْلَةِ مَا تَمَسَّكَ بِهِ الْمَانِعُونَ مِنْ الْفَسْخِ حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمُ حَيْثُ قَالَتْ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ حَتَّى قَدِمْنَا مَكَّةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَلَمْ يُهْدِ فَلْيَحِلَّ، وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأَهْدَى فَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ، وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ فَلْيُتِمَّ حَجَّهُ» وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ مَنْ حَجَّ مُفْرَدًا بِالْفَسْخِ بَلْ أَمَرَهُ بِإِتْمَامِ حَجِّهِ. وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ غَلِطَ فِيهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبٍ وَأَبُوهُ شُعَيْبٌ أَوْ جَدُّهُ اللَّيْثُ أَوْ شَيْخُهُ عَقِيلٌ، فَإِنَّ الْحَدِيثَ رَوَاهُ مَالِكٌ وَمَعْمَرٌ وَالنَّاسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْهَا، وَبَيَّنُوا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إذَا طَافَ وَسَعَى أَنْ يَحِلَّ»
وَقَدْ خَالَفَ عَبْدُ الْمَلِكِ جَمَاعَةً مِنْ الْحُفَّاظِ فَرَوَوْهُ عَلَى خِلَافِ مَا رَوَاهُ. قَالَ فِي الْهَدْيِ بَعْدَ أَنْ سَاقَ الرِّوَايَاتِ الْمُخَالِفَةَ لِرِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ: فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا، يَعْنِي حَدِيثَ عَبْدِ الْمَلِكِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْإِحْلَالِ وَجَعْلِهِ عُمْرَةً، وَيَكُونُ هَذَا أَمْرًا زَائِدًا قَدْ طَرَأَ عَلَى الْأَمْرِ بِالْإِتْمَامِ كَمَا طَرَأَ عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَيَتَعَيَّنُ هَذَا وَلَا بُدَّ، وَإِذَا كَانَ هَذَا نَاسِخًا لِلْأَمْرِ بِالْفَسْخِ، وَالْأَمْرُ بِالْفَسْخِ نَاسِخًا لِلْإِذْنِ فِي الْإِفْرَادِ فَهَذَا مُحَالٌ قَطْعًا فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ أَمَرَهُمْ بِالْحِلِّ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِنَقْضِهِ وَالْبَقَاءِ عَلَى الْإِحْرَامِ الْأَوَّلِ وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا فَيَتَعَيَّنُ إنْ كَانَ مَحْفُوظًا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْأَمْرِ لَهُمْ بِالْفَسْخِ، لَا يَجُوزُ غَيْرُ هَذَا أَلْبَتَّةَ انْتَهَى وَمِنْ مُتَمَسَّكَاتِهِمْ مَا فِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَحَلَّ، وَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ الْحَجَّ أَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَلَمْ يَحِلَّ حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ» . وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا وَقَدْ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ الْحُفَّاظُ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ بَعْدَ أَنْ سَاقَهُ: أَيْشٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْعَجَبِ؟ هَذَا خَطَأٌ، فَقُلْتُ لَهُ: الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِخِلَافِهِ، قَالَ: نَعَمْ وَهِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ، وَأَنْكَرَ حَدِيثَ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْ عَائِشَةَ بِنَحْوِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute