. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
جَزَاءِ مَا قُطِعَ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا جَزَاءَ فِيهِ بَلْ يَأْثَمُ وَقَالَ عَطَاءٌ: يَسْتَغْفِرُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُؤْخَذُ بِقِيمَتِهِ هَدْيٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي الْعَظِيمَةِ بَقَرَةٌ وَفِيمَا دُونَهَا شَاةٌ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: اتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ قَطْعِ شَجَرِ الْحَرَمِ إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَجَازَ قَطْعَ السِّوَاكِ مِنْ فُرُوعِ الشَّجَرَةِ كَذَا نَقَلَهُ أَبُو ثَوْرٍ عَنْهُ وَأَجَازَ أَيْضًا أَخْذَ الْوَرَقِ وَالثَّمَرِ إذَا كَانَ لَا يَضُرُّهَا وَلَا يُهْلِكُهَا، وَبِهَذَا قَالَ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُمَا وَأَجَازُوا قَطْعَ الشَّوْكِ لِكَوْنِهِ يُؤْذِي بِطَبْعِهِ فَأَشْبَهَ الْفَوَاسِقَ وَمَنَعَهُ الْجُمْهُورُ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ كَمَا فِي حَدِيثَيْ الْبَابِ وَالْقِيَاسُ مُصَادِمٌ لِهَذَا النَّصِّ فَهُوَ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ وَهُوَ أَيْضًا قِيَاسٌ غَيْرُ صَحِيحٍ لِقِيَامِ الْفَارِقِ فَإِنَّ الْفَوَاسِقَ الْمَذْكُورَةَ تَقْصِدُ بِالْأَذَى بِخِلَافِ الشَّجَرِ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَلَا بَأْسَ بِالِانْتِفَاعِ بِمَا انْكَسَرَ مِنْ الْأَغْصَانِ وَانْقَطَعَ مِنْ الشَّجَرِ مِنْ غَيْرِ صَنِيعِ الْآدَمِيِّ، وَلَا بِمَا يَسْقُطُ مِنْ الْوَرَقِ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا انْتَهَى قَوْلُهُ: (وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهُ) الْخَلَا بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مَقْصُورٌ وَذَكَرَ ابْنُ التِّينِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْقَابِسِيِّ بِالْمَدِّ وَهُوَ الرَّطْبُ مِنْ النَّبَاتِ وَاخْتِلَاؤُهُ: قَطْعُهُ وَاحْتِشَاشُهُ وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى تَحْرِيمِ رَعْيِهِ لِكَوْنِهِ أَشَدَّ مِنْ الِاحْتِشَاشِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْكُوفِيُّونَ وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيُّ وَتَخْصِيصُ التَّحْرِيمِ بِالرَّطْبِ إشَارَةٌ إلَى جَوَازِ رَعْيِ الْيَابِسِ وَجَوَازِ اخْتِلَائِهِ وَهُوَ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ لِلشَّافِعِيَّةِ لِأَنَّ الْيَابِسَ كَالصَّيْدِ الْمَيِّتِ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لَكِنَّ فِي اسْتِثْنَاءِ الْإِذْخِرِ إشَارَةً إلَى تَحْرِيمِ الْيَابِسِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَا يُحْتَشُّ حَشِيشُهَا قَالَ وَأَجْمَعُوا عَلَى إبَاحَةِ أَخْذِ مَا اسْتَنْبَتَهُ النَّاسُ فِي الْحَرَمِ مِنْ بَقْلٍ وَزَرْعٍ وَمَشْمُومٍ فَلَا بَأْسَ بِرَعْيِهِ وَاخْتِلَائِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ الْمَفْتُوحَةِ قِيلَ: هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ الِاصْطِيَادِ وَقِيلَ: عَلَى ظَاهِرِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ: يَحْرُمُ التَّنْفِيرُ وَهُوَ الْإِزْعَاجُ عَنْ مَوْضِعِهِ، فَإِنْ نَفَّرَهُ عَصَى تَلِفَ أَوْ لَا، وَإِنْ تَلِفَ فِي نِفَارِهِ قَبْلَ سُكُونِهِ ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا، قَالَ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: يُسْتَفَادُ مِنْ النَّهْيِ عَنْ التَّنْفِيرِ تَحْرِيمُ الْإِتْلَافِ بِالْأَوْلَى قَوْلُهُ: (وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهُ إلَّا لِمُعَرِّفٍ) وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي: وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي اللُّقَطَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ: (إلَّا الْإِذْخِرَ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْضًا قَالَ فِي الْفَتْحِ: نَبْتٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ مَكَّةَ طَيِّبُ الرِّيحِ لَهُ أَصْلٌ مُنْدَفِنٌ وَقُضْبَانٌ دِقَاقٌ يَنْبُتُ فِي السَّهْلِ وَالْحَزَنِ وَأَهْلُ مَكَّةَ يَسْقُفُونَ بِهِ الْبُيُوتَ بَيْنَ الْخَشَبِ وَيَسُدُّونَ بِهِ الْخَلَلَ بَيْنَ اللَّبِنَاتِ فِي الْقُبُورِ وَيَجُوزُ فِي قَوْلِهِ (إلَّا الْإِذْخِرَ) الرَّفْعُ عَلَى الْبَدَلِ مِمَّا قَبْلَهُ وَالنَّصْبُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى جَوَازِ الْفَصْلِ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَالْكَلَامُ فِي ذَلِكَ مَعْرُوفٌ فِي الْأُصُولِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ أَيْضًا عَلَى جَوَازِ النَّسْخِ قَبْلَ الْفِعْلِ وَهُوَ لَيْسَ بِوَاضِحٍ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ لِلْقُيُونِ) جَمْعُ قَيْنٍ وَهُوَ الْحَدَّادُ قَوْلُهُ: (لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا) قَدْ سَلَفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute