للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِقْدَارَ مَا بَيْنَ عَوْرٍ وَثَوْرٍ لَا أَنَّهُمَا بِعَيْنَيْهِمَا فِي الْمَدِينَةِ أَوْ سَمَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجَبَلَيْنِ اللَّذَيْنِ بِطَرَفَيْ الْمَدِينَةِ عَيْرًا وَثَوْرًا ارْتِجَالًا وَسَبَقَهُ إلَى الْأَوَّلِ أَبُو عُبَيْدٍ عَلَى مَا حَكَاهُ ابْنُ الْأَثِيرِ عَنْهُ وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي الْأَحْكَامِ: قَدْ أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ الْعَالِمُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ السَّلَامِ الْبَصْرِيُّ أَنَّ حِذَاءَ أُحُدٍ عَنْ يَسَارِهِ جَانِحًا إلَى وَرَائِهِ جَبَلٌ صَغِيرٌ يُقَالُ لَهُ ثَوْرٌ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ تَكَرَّرَ سُؤَالُهُ عَنْهُ لِطَوَائِفَ مِنْ الْعَرَبِ الْعَارِفِينَ بِتِلْكَ الْأَرْضِ وَمَا فِيهَا مِنْ الْجِبَالِ فَكُلٌّ أَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ الْجَبَلَ اسْمُهُ ثَوْرٌ وَتَوَارَدُوا عَلَى ذَلِكَ، قَالَ فَعَلِمْنَا أَنَّ ذِكْرَ ثَوْرٍ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ صَحِيحٌ وَأَنَّ عَدَمَ عِلْمِ أَكَابِرِ الْعُلَمَاءِ بِهِ لِعَدَمِ شُهْرَتِهِ وَعَدَمِ بَحْثِهِمْ عَنْهُ وَهَذِهِ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ انْتَهَى، وَقَدْ ذُكِرَ مِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ فِي الْقَامُوسِ وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ حُسَيْنٍ الْمَرَاغِيَّ نَزِيلُ الْمَدِينَةِ فِي مُخْتَصَرِهِ لِأَخْبَارِ الْمَدِينَةِ: إنَّ خَلَفَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَنْقُلُونَ عَنْ سَلَفِهِمْ أَنَّ خَلْفَ أُحُدٍ مِنْ جِهَةِ الشِّمَالِ جَبَلًا صَغِيرًا إلَى الْحُمْرَةِ بِتَدْوِيرٍ يُسَمَّى ثَوْرًا.

قَالَ وَقَدْ تَحَقَّقْتُهُ بِالْمُشَاهَدَةِ قَوْلُهُ: لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَالْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي بَابِ صَيْدِ الْحَرَمِ وَشَجَرِهِ قَوْلُهُ: إلَّا لِمَنْ أَشَادَ بِهَا أَيْ: رَفَعَ صَوْتَهُ بِتَعْرِيفِهَا أَبَدًا لَا سَنَةً كَمَا فِي غَيْرِهَا وَلَعَلَّهُ يَأْتِي فِي اللُّقَطَةِ بَسْطُ الْكَلَامِ عَلَى لُقَطَةِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمَا قَوْلُهُ: وَلَا يَصْلُحُ لِرَجُلٍ أَنْ يَحْمِلَ فِيهَا السِّلَاحَ لِقِتَالٍ قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ: هَذَا مَحْمُولٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى حَمْلِ السِّلَاحِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا حَاجَةٍ فَإِنْ كَانَتْ حَاجَةٌ جَازَ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُقْطَعَ فِيهَا شَجَرَةٌ) اسْتَدَلَّ بِهَذَا وَبِمَا فِي الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ مِنْ تَحْرِيمِ شَجَرِهَا وَخَبْطِهِ وَعَضُدِهِ وَتَحْرِيمِ صَيْدِهَا وَتَنْفِيرِهِ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْهَادِي وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ لِلْمَدِينَةِ حَرَمًا كَحَرَمِ مَكَّةَ يَحْرُمُ صَيْدُهُ وَشَجَرُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ: فَإِنْ قَتَلَ صَيْدًا أَوْ قَطَعَ شَجَرًا فَلَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلنُّسُكِ فَأَشْبَهَ الْحِمَى، وَقَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: يَجِبُ فِيهِ الْجَزَاءُ كَحَرَمِ مَكَّةَ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ: كَمَا حَرَّمَ إبْرَاهِيمُ مَكَّةَ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَالنَّاصِرُ إلَى أَنَّ حَرَمَ الْمَدِينَةِ لَيْسَ بِحَرَمٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَلَا تَثْبُتُ لَهُ الْأَحْكَامُ مِنْ تَحْرِيمِ قَتْلِ الصَّيْدِ وَقَطْعِ الشَّجَرِ، وَالْأَحَادِيثُ تَرُدُّ عَلَيْهِمْ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ.

وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْمَدِينَةِ أَوْ أَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْحِلِّ قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَعْلِفَ رَجُلٌ بَعِيرَهُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْأَشْجَارِ لِلْعَلْفِ لَا لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ كَمَا سَلَفَ قَوْلُهُ: (مَا بَيْنَ لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: اللَّابَتَانِ: الْحَرَّتَانِ وَاحِدَتُهُمَا: لَابَةٌ بِتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ: الْحَرَّةُ، وَالْحَرَّةُ الْحِجَارَةُ السُّودُ وَلِلْمَدِينَةِ لَابَتَانِ شَرْقِيَّةٌ وَغَرْبِيَّةٌ وَهِيَ بَيْنَهُمَا قَوْلُهُ: (وَجَعَلَ اثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا) . . . إلَخْ، لَفْظُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا بَيْنَ لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَلَوْ وَجَدْتُ الظِّبَاءَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا مَا ذَعَرْتُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>