. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
أَوْ عُمْرَةٍ أَمَّا إذَا طَافَ فِي غَيْرِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَلَا رَمَلَ، قَالَ النَّوَوِيُّ: بِلَا خِلَافٍ، وَلَا يُشْرَعُ أَيْضًا فِي كُلِّ طَوَافَاتِ الْحَجِّ بَلْ إنَّمَا يُشْرَعُ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا، وَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا: طَوَافٌ يَعْقُبُهُ سَعْيٌ وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ، وَفِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ إلَّا فِي طَوَافِ الْقُدُومِ، وَسَوَاءٌ أَرَادَ السَّعْيَ بَعْدَهُ أَمْ لَا، وَيُشْرَعُ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ إذْ لَيْسَ فِيهَا إلَّا طَوَافٌ وَاحِدٌ قَوْلُهُ: (خَبَّ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا) الْخَبَبُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ أُخْرَى هُوَ إسْرَاعُ الْمَشْيِ مَعَ تَقَارُبِ الْخُطَا وَهُوَ كَالرَّمَلِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، قَالُوا: هُوَ سُنَّةٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَ هُوَ بِسُنَّةٍ مَنْ شَاءَ رَمَلَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَرْمُلْ، وَفِيهِ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَرْمُلَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُولَى وَيَمْشِيَ عَلَى عَادَتِهِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ قَوْلُهُ: (وَكَانَ يَسْعَى) . . . إلَخْ.
سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى السَّعْيِ قَوْلُهُ: (مِنْ الْحِجْرِ إلَى الْحِجْرِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَرْمُلُ فِي ثَلَاثَةِ أَشْوَاطٍ كَامِلَةٍ، قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا يُشْرَعُ تَدَارُكُ الرَّمَلِ فَلَوْ تَرَكَهُ فِي الثَّلَاثَةِ لَمْ يَقْضِهِ فِي الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّ هَيْئَتَهَا السَّكِينَةُ وَلَا تَتَغَيَّرُ وَكَذَا قَالَتْ الْهَادَوِيَّةُ قَالَ: وَيَخْتَصُّ بِالرِّجَالِ فَلَا رَمَلَ عَلَى النِّسَاءِ وَيَخْتَصُّ بِطَوَافٍ يَتَعَقَّبُهُ سَعْيٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَا فَرْقَ فِي اسْتِحْبَابِهِ بَيْنَ مَاشٍ وَرَاكِبٍ وَلَا دَمَ بِتَرْكِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا وَلَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ طَوَافِ الْقُدُومِ فَذَهَبَتْ الْعِتْرَةُ وَمَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إلَى أَنَّهُ فَرْضٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: ٢٩] وَلِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلِهِ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّهُ سُنَّةٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، قَالَا: لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ.
وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال عَلَى الْوُجُوبِ بِالْآيَةِ فَقَالَ شَارِحُ الْبَحْرِ: إنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى طَوَافِ الْقُدُومِ؛ لِأَنَّهَا فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ إجْمَاعًا وَالْحَقُّ الْوُجُوبُ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُبَيِّنٌ لِمُجْمَلٍ وَاجِبٍ هُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: ٩٧] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَقَوْلُهُ: «حُجُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أَحُجُّ» وَهَذَا الدَّلِيلُ يَسْتَلْزِمُ وُجُوبَ كُلِّ فِعْلٍ فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجِّهِ إلَّا مَا خَصَّهُ دَلِيلٌ فَمَنْ ادَّعَى عَدَمَ وُجُوبِ شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِهِ فِي الْحَجِّ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذِهِ كُلِّيَّةٌ فَعَلَيْكَ بِمُلَاحَظَتِهَا فِي جَمِيعِ الْأَبْحَاثِ الَّتِي سَتَمُرُّ بِكَ.
١٩٤٧ - (وَعَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ مُضْطَبِعًا وَعَلَيْهِ بُرْدٌ» . رَوَاهُ ابْنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute