للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

قَوْلُهُ: (فَعَلَا عَلَيْهِ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِأَنَّ صُعُودَ الصَّفَا وَاجِبٌ وَهُوَ أَبُو حَفْصِ بْنُ الْوَكِيلِ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ فَقَالُوا: هُوَ سُنَّةٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِعْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانٌ لِمُجْمَلٍ وَاجِبٍ قَوْلُهُ: (فَجَعَلَ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيَدْعُو مَا شَاءَ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْحَمْدِ وَالدُّعَاءِ عَلَى الصَّفَا قَوْلُهُ: (طَافَ وَسَعَى رَمَلَ ثَلَاثًا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْمُلَ فِي ثَلَاثَةِ أَشْوَاطٍ وَيَمْشِيَ فِي الْبَاقِي قَوْلُهُ: وَاتَّخِذُوا الْآيَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الرِّوَايَاتِ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَهِيَ إحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ.

قَوْلُهُ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: ١٥٨] قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الشَّعَائِرُ أَعْمَالُ الْحَجِّ وَكُلُّ مَا جُعِلَ عَلَمًا لِطَاعَةِ اللَّهِ قَوْلُهُ: «فَابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» بِصِيغَةِ الْأَمْرِ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَلَهُ طُرُقٌ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ أَبْدَأُ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَمَالِكٌ وَابْنُ الْجَارُودِ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا نَبْدَأُ بِالنُّونِ. قَالَ أَبُو الْفَتْحِ الْقُشَيْرِيِّ: مَخْرَجُ الْحَدِيثِ عِنْدَهُمْ وَاحِدٌ وَقَدْ اجْتَمَعَ مَالِكٌ وَسُفْيَانُ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَلَى رِوَايَةِ نَبْدَأُ بِالنُّونِ الَّتِي لِلْجَمْعِ قَالَ الْحَافِظُ: وَهُمْ أَحْفَظُ مِنْ الْبَاقِينَ وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ الْبُدَاءَةَ بِالصَّفَا وَالْخَتْمَ بِالْمَرْوَةِ شَرْطٌ.

وَقَالَ عَطَاءُ: يُجْزِئُ الْجَاهِلَ الْعَكْسُ وَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إلَى أَنَّ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ شَوْطٌ وَمِنْهَا إلَيْهِ شَوْطٌ آخَرُ وَقَالَ الصَّيْرَفِيُّ وَابْنُ خَيْرَانَ وَابْنُ جَرِيرٍ: بَلْ مِنْ الصَّفَا إلَى الصَّفَا شَوْطٌ وَيَدُلُّ عَلَى الْأَوَّلِ مَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَغَ مِنْ آخِرِ سَعْيِهِ بِالْمَرْوَةِ» قَوْلُهُ: لَمَّا دَنَا مِنْ الصَّفَا قَرَأَ. . . إلَخْ، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا تُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ هَذِهِ الْآيَةِ عِنْدَ الدُّنُوِّ مِنْ الصَّفَا وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ صُعُودُ الصَّفَا وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَالتَّوْحِيدُ وَالتَّكْبِيرُ وَالتَّهْلِيلُ وَتَكْرِيرُ الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ بَيْنَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: يُكَرِّرُ الذِّكْرَ ثَلَاثًا وَالدُّعَاءَ مَرَّتَيْنِ فَقَطْ قَالَ النَّوَوِيُّ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ: (وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ) مَعْنَاهُ هَزَمَهُمْ بِغَيْرِ قِتَالٍ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَلَا سَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِمْ وَالْمُرَادُ بِالْأَحْزَابِ الَّذِينَ تَحَزَّبُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَكَانَ الْخَنْدَقُ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ.

وَقِيلَ: سَنَةَ خَمْسٍ قَوْلُهُ: حَتَّى انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي هَكَذَا فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي قَالَ: وَفِيهِ إسْقَاطُ لَفْظَةٍ لَا بُدَّ مِنْهَا وَهِيَ حَتَّى انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي فَسَقَطَتْ لَفْظَةُ رَمَلَ وَلَا بُدَّ مِنْهَا وَقَدْ ثَبَتَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَكَذَا ذَكَرَهَا الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ وَفِي الْمُوَطَّأِ حَتَّى انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعَى حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ، وَهُوَ بِمَعْنَى رَمَلَ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ حَتَّى إذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعَى كَمَا وَقَعَ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ السَّعْيِ فِي بَطْنِ الْوَادِي حَتَّى يَصْعَدَ ثُمَّ يَمْشِيَ بَاقِيَ الْمَسَافَةِ إلَى الْمَرْوَةِ عَلَى عَادَةِ مَشْيِهِ، وَهَذَا السَّعْيُ مُسْتَحَبٌّ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ الْمَرَّاتِ السَّبْعِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَالْمَشْيُ مُسْتَحَبٌّ فِيمَا قَبْلَ الْوَادِي وَبَعْدَهُ وَلَوْ مَشَى فِي الْجَمِيعِ أَوْ سَعَى فِي الْجَمِيعِ أَجْزَأَهُ وَفَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ تَرَكَ السَّعْيَ الشَّدِيدَ فِي مَوْضِعِهِ: تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَلَهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ: إذَا صَعِدْنَا بِكَسْرِ الْعَيْنِ قَوْلُهُ: (فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ) كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ عَلَيْهَا مَا يُسْتَحَبُّ عَلَى الصَّفَا مِنْ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالصُّعُودِ

<<  <  ج: ص:  >  >>