للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

لَهُ يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ كَمَا فِي الْبَابِ وَفِي أُخْرَى لَهُ أَيْضًا عَلَى رَاحِلَتِهِ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: جَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّهُ مَوْقِفٌ وَاحِدٌ عَلَى أَنَّ مَعْنَى خَطَبَ أَنَّهُ عَلَّمَ النَّاسَ لَا أَنَّهَا خُطْبَةٌ مِنْ خُطَبِ الْحَجِّ الْمَشْرُوعَةِ. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي مَوْطِنَيْنِ: أَحَدُهُمَا: عَلَى رَاحِلَتِهِ عِنْدَ الْجَمْرَةِ وَلَمْ يَقُلْ فِي هَذَا خَطَبَ، وَالثَّانِي: يَوْمُ النَّحْرِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَذَلِكَ وَقْتَ الْخُطْبَةِ الْمَشْرُوعَةِ مِنْ خُطَبِ الْحَجِّ يُعَلِّمُ الْإِمَامُ فِيهَا النَّاسَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَنَاسِكِهِمْ وَصَوَّبَ النَّوَوِيُّ هَذَا الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ فَإِنْ قِيلَ: لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَا الَّذِي صَوَّبَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْأَحَادِيثِ بَيَانُ الْوَقْتِ الَّذِي خَطَبَ فِيهِ النَّاسَ. فَيُجَابُ بِأَنَّ فِي رِوَايَةِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ رَمَيْتُ بَعْدَمَا أَمْسَيْتُ وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ كَانَتْ بَعْدَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّ الْمَسَاءَ إنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى مَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَكَأَنَّ السَّائِلَ عَلِمَ أَنَّ السُّنَّةَ لِلْحَاجِّ أَنْ يَرْمِيَ الْجَمْرَةَ أَوَّلَ مَا يَقْدَمُ ضُحًى فَلَمَّا أَخَّرَهَا إلَى بَعْدِ الزَّوَالِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَدْ اجْتَمَعَ مِنْ الرِّوَايَاتِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ الزَّوَالِ عِنْدَ الْجَمْرَةِ وَالرَّجُلُ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: لَمْ نَقِفْ بَعْدَ الْبَحْثِ الشَّدِيدِ عَلَى اسْمِ أَحَدٍ مِمَّنْ سَأَلَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ. قَوْلُهُ: (حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ) فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَدَّمَ السُّؤَالَ عَنْ الْحَلْقِ قَبْلَ الرَّمْيِ، وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ قَدَّمَ السُّؤَالَ عَنْ الْحَلْقِ قَبْلَ النَّحْرِ وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مِنْهُ قَدَّمَ الْإِفَاضَةَ قَبْلَ الْحَلْقِ، وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ مِنْهُ قَدَّمَ الذَّبْحَ قَبْلَ الرَّمْيِ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَدَّمَ الْحَلْقَ قَبْلَ الذَّبْحِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مِنْهُ قَدَّمَ الزِّيَارَةَ قَبْلَ الرَّمْيِ

وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَقْدِيمِ بَعْضِ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ فِيهَا عَلَى بَعْضٍ وَهِيَ الرَّمْيُ وَالْحَلْقُ وَالتَّقْصِيرُ وَالنَّحْرُ وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَهُوَ إجْمَاعٌ كَمَا قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي قَالَ فِي الْفَتْحِ: إلَّا أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الدَّمِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ أَنَّ مَنْ قَدَّمَ شَيْئًا عَلَى شَيْءٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ وَالْحَسَنُ وَالنَّخَعِيِّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.

وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ بِأَنَّ نِسْبَةَ ذَلِكَ إلَى النَّخَعِيّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ فِيهَا نَظَرٌ وَقَالَ: إنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ إلَّا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَإِنَّمَا أَوْجَبُوا الدَّمَ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا مُتَرَتِّبَةٌ أَوَّلَهَا: رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، ثُمَّ نَحْرُ الْهَدْيِ أَوْ ذَبْحُهُ، ثُمَّ الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ ثُمَّ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ إلَّا ابْنَ جَهْمٍ الْمَالِكِيَّ اسْتَثْنَى الْقَارِنَ فَقَالَ: لَا يَحْلِقُ حَتَّى يَطُوفَ، وَرَدَّ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ بِالْإِجْمَاعِ فَالْمُرَادُ بِإِيجَابِهِمْ الدَّمَ عَلَى مَنْ قَدَّمَ شَيْئًا عَلَى شَيْءٍ يَعْنُونَ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا التَّرْتِيبِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ بِأَنْ فَعَلَ مَا يُخَالِفُهُ.

وَقَدْ رُوِيَ إيجَابُ الدَّمِ عَنْ الْهَادِي وَالْقَاسِمِ وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ

<<  <  ج: ص:  >  >>