. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ بِأَنَّهَا أَرَادَتْ بِقَوْلِهَا: جَمَعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمْعَ مُتْعَةٍ لَا جَمْعَ قِرَانٍ، وَهَذَا مِمَّا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ، فَإِنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ مُصَرِّحٌ بِفَصْلِ مَنْ تَمَتَّعَ مِمَّنْ قَرَنَ، وَمَا يَفْعَلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ الْمَذْكُورِ، فَإِنَّهَا قَالَتْ: فَطَافَ الَّذِينَ كَانُوا أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ قَالَتْ: وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا. . . إلَخْ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ بِمَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَطَافَ لَهُمَا طَوَافَيْنِ وَسَعَى لَهُمَا سَعْيَيْنِ ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» قَالَ الْحَافِظُ: وَطُرُقُهُ ضَعِيفَةٌ، وَكَذَا رُوِيَ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِإِسْنَادٍ فِيهِ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ لَا يَصِحُّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ أَصْلًا. وَتَعَقَّبَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ قَدْ رَوَى الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ مَرْفُوعًا عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ ذَلِكَ بِأَسَانِيدَ لَا بَأْسَ بِهَا انْتَهَى.
فَيَنْبَغِي أَنْ يُصَارَ إلَى الْجَمْعِ كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إنْ ثَبَتَتْ الرِّوَايَةُ أَنَّهُ طَافَ طَوَافَيْنِ فَيُحْمَلُ عَلَى طَوَافِ الْقُدُومِ وَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ. وَأَمَّا السَّعْيُ مَرَّتَيْنِ فَلَمْ يَثْبُتْ انْتَهَى. عَلَى أَنَّهُ يُضْعِفُ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ قَدْ رَوَى آلُ بَيْتِهِ عَنْهُ مِثْلَ الْجَمَاعَةِ.
قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ عَنْ أَبِيهِ: إنَّهُ كَانَ يَحْفَظُ عَنْ عَلِيٍّ لِلْقَارِنِ طَوَافًا وَاحِدًا، خِلَافُ مَا يَقُولُ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَمِمَّا يُضْعِفُ مَا رَوَى عَنْهُ مِنْ تَكْرَارِ الطَّوَافِ أَنَّ أَمْثَلَ طُرُقِهِ عَنْهُ رِوَايَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أُذَيْنَةَ عَنْهُ، وَقَدْ ذَكَرَ فِيهَا أَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ ابْتِدَاءِ الْإِهْلَالِ بِالْحَجِّ بِأَنْ يُدْخِلَ عَلَيْهِ عُمْرَةً، وَأَنَّ الْقَارِنَ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ، وَاَلَّذِينَ احْتَجُّوا بِحَدِيثِهِ لَا يَقُولُونَ بِامْتِنَاعِ إدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ، فَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ صَحِيحَةً عِنْدَهُمْ لَزِمَهُمْ الْعَمَلُ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا حُجَّةَ فِيهَا وَيُضْعِفُ أَيْضًا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ تَكْرَارِ الطَّوَافِ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ الِاكْتِفَاءُ بِطَوَافٍ وَاحِدٍ.
وَقَدْ احْتَجَّ أَبُو ثَوْرٍ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِطَوَافٍ وَاحِدٍ لِلْقَارِنِ بِحُجَّةٍ نَظَرِيَّةٍ فَقَالَ: قَدْ أَجَزْنَا جَمِيعًا لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا سَفَرًا وَاحِدًا وَإِحْرَامًا وَاحِدًا، وَتَلْبِيَةً وَاحِدَةً فَكَذَلِكَ يُجْزِي عَنْهُمَا طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ، حَكَى هَذَا عَنْهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. وَمِنْ جُمْلَةِ مَا يَحْتَجُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي لَهُمَا طَوَافٌ وَاحِدٌ حَدِيثُ «دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَهُوَ صَحِيحٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ دُخُولِهَا فِيهِ لَا تَحْتَاجُ إلَى عَمَلٍ آخَرَ غَيْرِ عَمَلِهِ، وَالسُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ أَحَقُّ بِالِاتِّبَاعِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَا خَالَفَهَا. قَوْلُهُ: (وَامْتَشِطِي) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الِامْتِشَاطُ لِلْمُحْرِمِ، وَقِيلَ: إنَّهُ مَكْرُوهٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَقَدْ تَأَوَّلَ الْعُلَمَاءُ فِعْلَ عَائِشَةَ هَذَا عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مَعْذُورَةً بِأَنْ كَانَ بِرَأْسِهَا أَذًى فَأَبَاحَ لَهَا الِامْتِشَاطَ كَمَا أَبَاحَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ الْحَلْقَ لِلْأَذَى. وَقِيلَ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِالِامْتِشَاطِ هُنَا حَقِيقَةَ الِامْتِشَاطِ بِالْمُشْطِ بَلْ تَسْرِيحَ الشَّعْرِ بِالْأَصَابِعِ عِنْدَ الْغُسْلِ لِلْإِحْرَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute