بَابُ أَنَّ مَنْ بَعَثَ بِهَدْيٍ لَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِذَلِكَ
٢٠٩٣ - (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُهْدِي مِنْ الْمَدِينَةِ فَأَفْتِلُ قَلَائِدَ
ــ
[نيل الأوطار]
غَيْرُ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنْ اللَّحْمِ.
قَوْلُهُ (بُرَّةٌ) بِضَمِّ الْبَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ مُخَفَّفَةً وَهِيَ حَلَقَةٌ تُجْعَلُ فِي أَنْفِ الْبَعِيرِ. قَوْلُهُ: (وَلَا نُرَى إلَّا الْحَجَّ) بِضَمِّ النُّونِ أَيْ نَظُنُّ. قَوْلُهُ: (بِلَحْمِ بَقَرٍ) قَدْ اُسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْأَكْلُ لِلْمُهْدِي مِنْ الْهَدْيِ الَّذِي يَسُوقُهُ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْأَكْلَ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ وَأُضْحِيَّتِهِ سُنَّةٌ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ الْهَدْيِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ مَا كَانَ مِنْهُ تَطَوُّعًا وَمَا كَانَ فَرْضًا لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: ٢٨] وَلَمْ يُفَصِّلْ وَالتَّمَسُّكُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الزَّكَاةِ فِي عَدَمِ جَوَازِ الْأَكْلِ مِنْ الْهَدْيِ الْوَاجِبِ لَا يَنْتَهِضُ لِتَخْصِيصِ هَذَا الْعُمُومِ؛ لِأَنَّ شَرْعَ الزَّكَاةِ لِمُوَاسَاةِ الْفُقَرَاءِ فَصَرْفُهَا إلَى الْمَالِكِ إخْرَاجٌ لَهَا عَنْ مَوْضُوعِهَا، وَلَيْسَ شَرْعُ الدِّمَاءِ كَذَلِكَ،؛ لِأَنَّهَا إمَّا لِجَبْرِ نَقْصٍ أَوْ لِمُجَرَّدِ التَّبَرُّعِ فَلَا قِيَاسَ مَعَ الْفَارِقِ فَلَا تَخْصِيصَ.
قَوْلُهُ: (؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ قَارِنَةً) قَدْ اُخْتُلِفَ فِيمَا أَحْرَمَتْ بِهِ عَائِشَةُ أَوَّلًا فَقِيلَ: إنَّهَا عُمْرَةٌ مُفْرَدَةٌ لِمَا ثَبَتَ عَنْهَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّهَا قَالَتْ: فَكُنْت مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَقِيلَ: إنَّهَا أَحْرَمَتْ بِالْحَجِّ أَوَّلًا وَكَانَتْ مُفْرِدَةً لِمَا ثَبَتَ عَنْهَا فِي الصَّحِيحِ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا نُرَى إلَّا أَنَّهُ الْحَجُّ» وَثَبَتَ عَنْهَا فِي حَدِيثٍ آخَرَ «لَبَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَجِّ» وَقَدْ أَطَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ الْكَلَامَ عَلَى هَذَا وَبَيَّنَ الرَّاجِحَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ.
وَدَلِيلُ مَنْ قَالَ: إنَّهَا كَانَتْ قَارِنَةً الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا: يَسَعُك طَوَافُك لِحَجِّك وَعُمْرَتِك» وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَالْكُوفِيُّونَ إلَى أَنَّهَا كَانَتْ غَيْرَ قَارِنَةٍ لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا: وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ» وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهَا لَمْ تَرْفُضْ الْعُمْرَةَ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا بَعْدَ أَنْ أَمَرَهَا أَنْ تُهِلَّ بِالْحَجِّ فَفَعَلَتْ وَوَقَفَتْ الْمَوَاقِفَ كُلَّهَا حَتَّى إذَا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْكَعْبَةِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ» وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: يَسَعُك طَوَافُك لِحَجِّك وَعُمْرَتِك وَقَدْ قَدَّمْنَا تَأْوِيلَ قَوْلِهِ: دَعِي الْعُمْرَةَ وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِقَوْلِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ: «نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَزْوَاجِهِ» أَنَّ الْبَقَرَةَ تُجْزِئُ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ وَقَدْ ثَبَتَ فِي رِوَايَةٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحَرَ عَنْ أَزْوَاجِهِ بَقَرَةً» أَخْرَجَهَا النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا وَكَذَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّفْ أَحَدٌ مِنْ زَوْجَاتِهِ يَوْمَئِذٍ وَهُنَّ تِسْعٌ وَلَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ مُجَرَّدَ هَذَا الظَّاهِرِ لَا تُعَارَضُ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّرِيحَةُ الصَّحِيحَةُ السَّالِفَةُ الْمُجْمَعُ عَلَى مَدْلُولِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute