. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
أَوْ لَا بُدَّ مِنْ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي كُلِّ جِنْسٍ عَلَى حِدَةٍ، أَوْ فِي كُلِّ شَجَرَةٍ عَلَى حِدَةٍ؟ عَلَى أَقْوَالٍ: وَالْأَوَّلُ قَوْلُ اللَّيْثِ وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُتَلَاحِقًا، وَالثَّانِي: قَوْلُ أَحْمَدَ. وَالثَّالِثُ: قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ، وَالرَّابِعُ: رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. قَوْلُهُ: (نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُبْتَاعَ) أَمَّا الْبَائِعُ فَلِئَلَّا يَأْكُلَ مَالَ أَخِيهِ بِالْبَاطِلِ وَأَمَّا الْمُشْتَرِي فَلِئَلَّا يَضِيعَ مَالَهُ وَيُسَاعِدَ الْبَائِعَ عَلَى الْبَاطِلِ. قَوْلُهُ: (تَزْهُوَ) يُقَالُ: زَهَا النَّخْلُ يَزْهُو: إذَا ظَهَرَتْ ثَمَرَتُهُ وَأَزْهَى يُزْهِي إذَا احْمَرَّ أَوْ اصْفَرَّ، هَكَذَا فِي الْفَتْحِ، وَقَالَ الْخَطَّابِيِّ: إنَّهُ لَا يُقَالُ فِي النَّخْلِ: تَزْهُو إنَّمَا يُقَالُ: تُزْهِي لَا غَيْرُ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَرُدُّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (عَنْ بَيْعِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ) بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ النُّونِ وَضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ سَنَابِلُ الزَّرْعِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَاهُ يَشْتَدُّ حَبُّهُ وَذَلِكَ بُدُوُّ صَلَاحِهِ.
قَوْلُهُ: (وَيَأْمَنُ الْعَاهَةَ) هِيَ الْآفَةُ تُصِيبُهُ فَيَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ إذَا أُصِيبَ بِهَا كَانَ أَخْذُ ثَمَنِهِ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «إذَا طَلَعَ النَّجْمُ صَبَاحًا رُفِعَتْ الْعَاهَةُ عَنْ كُلِّ بَلْدَةٍ» وَفِي رِوَايَةٍ «رُفِعَتْ الْعَاهَةُ عَنْ الثِّمَارِ» وَالنَّجْمُ: هُوَ الثُّرَيَّا، وَطُلُوعُهَا صَبَاحًا يَقَعُ فِي أَوَّلِ فَصْلِ الصَّيْفِ، وَذَلِكَ عِنْدَ اشْتِدَادِ الْحَرِّ فِي بِلَادِ الْحِجَازِ وَابْتِدَاءُ نُضْجِ الثِّمَارِ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُرَاقَةَ سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ فَقَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تَذْهَبَ الْعَاهَةُ، قُلْت: وَمَتَى ذَلِكَ؟ قَالَ: حَتَّى تَطْلُعَ الثُّرَيَّا» قَوْلُهُ: (حَتَّى يَسْوَدَّ) زَادَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ «فَإِنَّهُ إذَا اسْوَدَّ يَنْجُو مِنْ الْعَاهَةِ وَالْآفَةِ» وَاشْتِدَادُ الْحَبِّ قُوَّتُهُ وَصَلَابَتُهُ. قَوْلُهُ: (إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ) . . . إلَخْ، صَرَّحَ الدَّارَقُطْنِيّ بِأَنَّ هَذَا مُدْرَجٌ مِنْ قَوْلِ أَنَسٍ وَقَالَ: رَفْعُهُ خَطَأٌ، وَلَكِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ: «إنْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ؟» وَسَيَأْتِي، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وَضْعِ الْجَوَائِحِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الثَّمَرَ إذَا تَلِفَ كَانَ الثَّمَنُ الْمَدْفُوعُ بِلَا عِوَضٍ فَكَيْفَ يَأْكُلُهُ الْبَائِعُ بِغَيْرِ عِوَضٍ؟ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى وَضْعِ الْجَوَائِحِ
وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَقْوَالٍ: الْأَوَّلِ: أَنَّهُ بَاطِلٌ مُطْلَقًا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيِّ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْهَادِي وَالْقَاسِمِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَوَهِمَ مَنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ إذَا شَرَطَ الْقَطْعَ لَمْ تَبْطُلْ وَإِلَّا بَطَلَ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ، وَنَسَبَهُ الْحَافِظُ إلَى الْجُمْهُورِ، وَحَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُؤَيَّدِ بِاَللَّهِ. الثَّالِثِ: أَنَّهُ يَصِحُّ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّبْقِيَةَ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ. قَالُوا: وَالنَّهْي مَحْمُولٌ عَلَى بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ تُوجَدَ أَصْلًا، وَقَدْ حَكَى صَاحِبُ الْبَحْرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ خُرُوجِهِ، وَحَكَى أَيْضًا الِاتِّفَاقَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِهِ قَبْلَ صَلَاحِهِ بِشَرْطِ الْبَقَاءِ، وَحُكِيَ أَيْضًا عَنْ الْإِمَامِ يَحْيَى أَنَّهُ خَصَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute