بَابُ إثْبَاتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ
ــ
[نيل الأوطار]
الشَّرْطِ هَلْ كَانَ خَاصًّا بِهَذَا الرَّجُلِ أَمْ يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ مَنْ شَرَطَ هَذَا الشَّرْطَ فَعِنْدَ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَالْمَنْصُورِ بِاَللَّهِ وَالْإِمَامِ يَحْيَى أَنَّهُ يَثْبُتُ الرَّدُّ لِكُلِّ مَنْ شَرَطَ هَذَا الشَّرْطَ، وَيُثْبِتُونَ الرَّدَّ بِالْغَبْنِ لِمَنْ لَمْ يَعْرِفْ قِيمَةَ السِّلَعِ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِكَوْنِ الْغَبْنِ فَاحِشًا وَهُوَ ثُلُثُ الْقِيمَةِ عِنْدَهُ، قَالُوا: بِجَامِعِ الْخَدْعِ الَّذِي لِأَجْلِهِ أَثْبَتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِذَلِكَ الرَّجُلِ الْخِيَارَ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا جَعَلَ لِهَذَا الرَّجُلِ الْخِيَارَ لِلضَّعْفِ الَّذِي كَانَ فِي عَقْلِهِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ إلَّا مَنْ كَانَ مِثْلَهُ فِي ذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ يَقُولَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ؛ وَلِهَذَا رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ إذَا غُبِنَ يَشْهَدُ رَجُلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ جَعَلَهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا فَيَرْجِعُ فِي ذَلِكَ، وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِمِثْلِ هَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِكُلِّ مَغْبُونٍ وَإِنْ كَانَ صَحِيحَ الْعَقْلِ، وَلَا عَلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِمَنْ كَانَ ضَعِيفَ الْعَقْلِ إذَا غُبِنَ وَلَمْ يَقُلْ هَذِهِ الْمَقَالَةَ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الْحَقُّ وَاسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِمَنْ قَالَ: لَا خِلَابَةَ سَوَاءٌ غُبِنَ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ وَجَدَ غِشًّا أَوْ عَيْبًا أَمْ لَا، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْآخَرُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ إلَّا إذَا وُجِدَتْ خِلَابَةٌ، لَا إذَا لَمْ تُوجَدْ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الَّذِي ثَبَتَ الْخِيَارُ لِأَجْلِهِ هُوَ وُجُودُ مَا نَفَاهُ مِنْهَا، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ فَلَا خِيَارَ.
وَاسْتُدِلَّ بِذَلِكَ أَيْضًا عَلَى جَوَازِ الْحَجْرِ لِلسَّفَهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ صَحِيحٌ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَطْلُبَ ذَلِكَ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ الْحَاكِمِ قَرَابَةُ مَنْ تَصَرُّفُهُ سَفَهٌ كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ. قَوْلُهُ: (فِي عُقْدَتِهِ) الْعُقْدَةُ الْعَقْلُ كَمَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ التَّفْسِيرُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ، وَفِي التَّلْخِيصِ: الْعُقْدَةُ: الرَّأْيُ، وَقِيلَ: هِيَ الْعُقْدَةُ فِي اللِّسَانِ كَمَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ مَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهَا خَبِلَتْ لِسَانَهُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: فَكَسَرَتْ لِسَانَهُ وَعَدَمُ إفْصَاحِهِ بِلَفْظِ الْخِلَابَةِ حَتَّى كَانَ يَقُولُ: لَا خِذَابَةَ، بِإِبْدَالِ اللَّامِ ذَالًا مُعْجَمَةً، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا خِنَابَةَ بِإِبْدَالِ اللَّامِ نُونًا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى: {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي} [طه: ٢٧] وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْقَامُوسِ إلَّا عُقْدَةَ اللِّسَانِ. قَوْلُهُ: (سُفِعَ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ الْفَاءِ ثُمَّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ: ضُرِبَ، وَالْمَأْمُومَةُ الَّتِي بَلَغَتْ أُمَّ الرَّأْسِ وَهِيَ الدِّمَاغُ أَوْ الْجِلْدَةُ الرَّقِيقَةُ الَّتِي عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَنْتَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مُدَّةَ هَذَا الْخِيَارِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ دُونِ زِيَادَةٍ قَالَ فِي الْفَتْحِ: لِأَنَّهُ حُكْمٌ وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الثَّلَاثِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَأَغْرَبَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ فَقَالَ: إنَّمَا قَصَرَهُ عَلَى ثَلَاثٍ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ بَيْعِهِ كَانَ فِي الرَّقِيقِ، وَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ وَلَا يَكْفِي فِيهِ مُجَرَّدُ الِاحْتِمَالِ انْتَهَى. قَوْلُهُ: (وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ غَيْرُ صَاحِبِ الصَّحِيحِ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ حِبَّانَ بِكَسْرِ الْحَاءِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute