. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ بِلَفْظِ: «تَوَضَّأَ فَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ مَرَّتَيْنِ وَقَالَ: هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي» وَفِي إسْنَادِهِ تَمَّامُ بْنُ نَجِيحٍ وَهُوَ لَيِّنُ الْحَدِيثِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ أَبِيهِ: لَيْسَ فِي تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ شَيْءٌ صَحِيحٌ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ: لَا يَثْبُتُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ شَيْءٌ، وَلَكِنَّهُ يُعَارِضُ هَذَا تَصْحِيحُ التِّرْمِذِيِّ وَالْحَاكِمِ وَابْنِ الْقَطَّانِ لِبَعْضِ أَحَادِيثِ الْبَابِ، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُمْ.
وَالْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ فَذَهَبَ إلَى وُجُوبِ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ الْعِتْرَةُ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالظَّاهِرِيَّةُ كَذَا فِي الْبَحْرِ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا وَقَعَ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ بِلَفْظِ: (هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي) وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ إلَى أَنَّ تَخْلِيلَ اللِّحْيَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْوُضُوءِ، قَالَ مَالِكٌ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: وَلَا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَالطَّبَرِيُّ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إنَّ تَخْلِيلَ اللِّحْيَةِ وَاجِبٌ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَلَا يَجِبُ فِي الْوُضُوءِ، هَكَذَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لِابْنِ سَيِّدِ النَّاسِ.
قَالَ: وَأَظُنُّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ فَبُلُّوا الشَّعْرَ وَأَنْقُوا الْبَشَرَ» . وَاسْتَدَلُّوا لِعَدَمِ الْوُجُوبِ فِي الْوُضُوءِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ. فَقَالَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَعَلِيٍّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَبِي قِلَابَةَ وَمُجَاهِدٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَالضَّحَّاكِ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُمْ كَانُوا يُخَلِّلُونَ لِحَاهُمْ، وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يُخَلِّلُ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ وَالْحَسَنُ وَابْنُ الْحَنَفِيَّةِ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَأَبُو جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَالْقَاسِمُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، ذَكَر ذَلِكَ عَنْهُمْ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِأَسَانِيدِهِ إلَيْهِمْ، وَالْإِنْصَافُ أَنَّ أَحَادِيثَ الْبَابِ بَعْدَ تَسْلِيمِ انْتِهَاضِهَا لِلِاحْتِجَاجِ وَصَلَاحِيَّتِهَا لِلِاسْتِدْلَالِ لَا تَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ لِأَنَّهَا أَفْعَالٌ، وَمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي) لَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ عَلَى الْأُمَّةِ لِظُهُورِهِ فِي الِاخْتِصَاصِ بِهِ، وَهُوَ يَتَخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ فِي الْأُصُولِ هَلْ يَعُمُّ الْأُمَّةَ مَا كَانَ ظَاهِرَ الِاخْتِصَاصِ بِهِ أَمْ لَا؟ وَالْفَرَائِضُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِيَقِينٍ، وَالْحُكْمُ عَلَى مَا لَمْ يَفْرِضْهُ اللَّهُ بِالْفَرْضِيَّةِ كَالْحُكْمِ عَلَى مَا فَرَضَهُ بَعْدَهُمَا، لَا شَكَّ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ التَّقَوُّلِ عَلَى اللَّهِ بِمَا لَمْ يَقُلْ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْغَرْفَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَكْفِي كَثَّ اللِّحْيَةِ لِغَسْلِ وَجْهِهِ وَتَخْلِيلِ لِحْيَتِهِ، وَدَفَعَ ذَلِكَ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ بِالْوِجْدَانِ مُكَابَرَةً مِنْهُ، نَعَمْ. الِاحْتِيَاطُ وَالْأَخْذُ بِالْأَوْثَقِ لَا شَكَّ فِي أَوْلَوِيَّتِهِ لَكِنْ بِدُونِ مُجَارَاةٍ عَلَى الْحُكْمِ بِالْوُجُوبِ.
قَوْلُهُ: (الْحَنَكُ) هُوَ بَاطِنُ أَعْلَى الْفَمِ وَالْأَسْفَلُ مِنْ طَرَفِ مُقَدَّمِ اللَّحْيَيْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute