للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

وَالْأَوْزَاعِيُّ وَتَمَسَّكُوا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ» كَمَا سَيَأْتِي، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (فَمَنْ زَادَ) . . . إلَخْ، فِيهِ التَّصْرِيحُ بِتَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ لِلْأَحَادِيثِ الْكَثِيرَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ وَغَيْرِهَا فَإِنَّهَا قَاضِيَةٌ بِتَحْرِيمِ بَيْعِ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ يَجُوزُ رِبَا الْفَضْلِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاخْتُلِفَ فِي رُجُوعِهِ فَرَوَى الْحَاكِمُ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرَ لَهُ أَبُو سَعِيدٍ حَدِيثَهُ الَّذِي فِي الْبَابِ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ وَكَانَ يَنْهَى عَنْهُ أَشَدَّ النَّهْيِ، وَرُوِيَ مِثْلُ قَوْلِهِمَا عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى جَوَازِ رِبَا الْفَضْلِ بِحَدِيثِ أُسَامَةَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بِلَفْظِ: «إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «لَا رِبَا فِيمَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ قَالَ: سَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ وَالْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ عَنْ الصَّرْفِ قَالَا: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ دَيْنًا» ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ " قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّرْفِ فَقَالَ: إلَّا يَدًا بِيَدٍ، قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: فَلَا بَأْسَ، فَأَخْبَرْتُ أَبَا سَعِيدٍ فَقَالَ: أَوَقَالَ ذَلِكَ؟ إنَّا سَنَكْتُبُ إلَيْهِ فَلَا يُفْتِيكُمُوهُ "، وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّرْفِ فَلَمْ يَرَيَا بِهِ بَأْسًا وَإِنِّي لَقَاعِدٌ عِنْدَ أَبِي سَعِيدٍ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ الصَّرْفِ. فَقَالَ: مَا زَادَ فَهُوَ رِبًا، فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِمَا، فَذَكَرْتُ الْحَدِيثَ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي أَبُو الصَّهْبَاءِ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْهُ فَكَرِهَهُ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى صِحَّةِ حَدِيثِ أُسَامَةَ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ. فَقِيلَ: إنَّ حَدِيثَ أُسَامَةَ مَنْسُوخٌ لَكِنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ

، وَقِيلَ: الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ (لَا رِبَا) الرِّبَا الْأَغْلَظُ الشَّدِيدُ التَّحْرِيمُ الْمُتَوَعَّدُ عَلَيْهِ بِالْعِقَابِ الشَّدِيدِ كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: لَا عَالِمَ فِي الْبَلَدِ إلَّا زَيْدٌ مَعَ أَنَّ فِيهَا عُلَمَاءَ غَيْرَهُ.

وَإِنَّمَا الْقَصْدُ نَفْيُ الْأَكْمَلِ لَا نَفْيُ الْأَصْلِ، وَأَيْضًا نَفْيُ تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ إنَّمَا هُوَ بِالْمَفْهُومِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ بِالْمَنْطُوقِ، وَيُحْمَلُ حَدِيثُ أُسَامَةَ عَلَى الرِّبَا الْأَكْبَرِ اهـ.

وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ أَيْضًا بِأَنْ يُقَالَ: مَفْهُومُ حَدِيثِ أُسَامَةَ عَامٌّ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ رِبَا الْفَضْلِ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْأَجْنَاسِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ أَمْ لَا فَهُوَ أَعَمُّ مِنْهَا مُطْلَقًا فَيُخَصَّصُ هَذَا الْمَفْهُومُ بِمَنْطُوقِهَا. وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَا رِبَا فِيمَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَيْسَ ذَلِكَ مَرْوِيًّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى تَكُونَ دَلَالَتُهُ عَلَى نَفْيِ رِبَا الْفَضْلِ مَنْطُوقَةً، وَلَوْ كَانَ مَرْفُوعًا لَمَا رَجَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَاسْتَغْفَرَ لَمَّا حَدَّثَهُ أَبُو سَعِيدٍ بِذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَقَدْ رَوَى الْحَازِمِيُّ رُجُوعَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاسْتِغْفَارَهُ عِنْدَمَا سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابَ وَابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ يُحَدِّثَانِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ وَقَالَ: حَفِظْتُمَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>