للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ الرُّخْصَةِ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا

٢٢٥٥ - (عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَسَهْلِ بْنِ حَثْمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ

ــ

[نيل الأوطار]

وَعَبْدُ الْحَقِّ بِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ زَيْدًا أَبَا عَيَّاشٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَالْجَوَابُ أَنَّ الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ: إنَّهُ ثِقَةٌ ثَبْتٌ، وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَقَدْ رَوَى عَنْهُ ثِقَاتٌ وَاعْتَمَدَهُ مَالِكٌ مَعَ شِدَّةِ نَقْدِهِ وَقَالَ الْحَاكِمُ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا طَعَنَ فِيهِ.

قَوْلُهُ: (عَنْ الْمُزَابَنَةِ) قَدْ تَقَدَّمَ ضَبْطُهَا فِي بَابِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ. قَوْلُهُ: (ثَمَرَ حَائِطِهِ) بِالْمُثَلَّثَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْمُرَادُ بِهِ الرُّطَبُ خَاصَّةً. قَوْلُهُ: (بِتَمْرٍ كَيْلًا) بِالْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ وَسُكُونِ الْمِيمِ، وَالْمُرَادُ بِالْكَرْمِ الْعِنَبُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا أَصْلُ الْمُزَابَنَةِ، وَأَلْحَقَ الْجُمْهُورُ بِذَلِكَ كُلَّ بَيْعٍ مَجْهُولٍ بِمَجْهُولٍ أَوْ بِمَعْلُومٍ مِنْ جِنْسٍ يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا. قَالَ: فَأَمَّا مَنْ قَالَ: أَضْمَنُ لَك صُبْرَتَكَ هَذِهِ بِعِشْرِينَ صَاعًا مَثَلًا فَمَا زَادَ فَلِي وَمَا نَقَصَ فَعَلَيَّ فَهُوَ مِنْ الْقِمَارِ وَلَيْسَ مِنْ الْمُزَابَنَةِ. وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ بِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ تَفْسِيرُ الْمُزَابَنَةِ بِبَيْعِ التَّمْرِ بِكَيْلٍ إنْ زَادَ فَلِي وَإِنْ نَقَصَ فَعَلَيَّ قَالَ: فَثَبَتَ أَنَّ مِنْ صُوَرِ الْمُزَابَنَةِ هَذِهِ الصُّورَةَ مِنْ الْقِمَارِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهَا قِمَارًا أَنْ لَا تُسَمَّى مُزَابَنَةً.

قَالَ: وَمِنْ صُوَرِ الْمُزَابَنَةِ بَيْعُ الزَّرْعِ بِالْحِنْطَةِ بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي تَفْسِيرِ الْمُزَابَنَةِ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ: «الْمُزَابَنَةُ بَيْعُ ثَمَرِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا وَبَيْعُ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ كَيْلًا وَبَيْعُ الزَّرْعِ بِالْحِنْطَةِ كَيْلًا» وَقَدْ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ الْبُخَارِيُّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ مُسْلِمٌ. وَقَدْ قَدَّمْنَا مِثْلَ هَذَا فِي بَابِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ. وَقَدَّمْنَا أَيْضًا مَا فَسَّرَ بِهِ مَالِكٌ الْمُزَابَنَةَ. قَوْلُهُ: (أَيَنْقُصُ) الِاسْتِفْهَامُ هَاهُنَا لَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَتَهُ أَعْنِي: طَلَبَ الْفَهْمِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهُ يَنْقُصُ إذَا يَبِسَ، بَلْ الْمُرَادُ تَنْبِيهُ السَّامِعِ بِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ الَّذِي وَقَعَ عَنْهُ الِاسْتِفْهَامُ هُوَ عِلَّةُ النَّهْيِ، وَمِنْ الْمُشْعِرَاتِ بِذَلِكَ الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ فَنُهِيَ عَنْ ذَلِكَ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا عَدَمُ جَوَازِ بَيْعِ الرُّطَبِ، بِالرُّطَبِ؛ لِأَنَّ نَقْصَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَحْصُلُ بِالْعِلْمِ بِأَنَّهُ مِثْلُ نَقْصِ الْآخَرِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مَظِنَّةٌ لِلرِّبَا، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ مِنْ الْحَنَابِلَةِ وَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَالْمُزَنِيِّ وَالرُّويَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: إنَّ الْعُلَمَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ إلَّا الشَّافِعِيَّ وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ أَنَّ الْإِسْمَاعِيلِيَّ فِي مُسْتَخْرَجِهِ عَلَى الْبُخَارِيِّ رَوَى حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: «نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ بِالثَّمَرَةِ» وَذَلِكَ يَشْمَلُ بَيْعَ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>