للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ مَا جَاءَ فِي الِاحْتِكَارِ

٢٢٨٠ - (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَدَوِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَحْتَكِرُ إلَّا خَاطِئٌ» ، وَكَانَ سَعِيدٌ يَحْتَكِرُ الزَّيْتَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد) .

٢٢٨١ - (وَعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ لِيُغْلِيَهُ عَلَيْهِمْ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُقْعِدَهُ بِعُظْمٍ مِنْ النَّارِ يَوْمَ

ــ

[نيل الأوطار]

وَعَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عِنْدَ الْبَزَّارِ نَحْوُهُ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الصَّغِيرِ وَعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ عِنْدَهُ فِي الْكَبِيرِ

قَوْلُهُ: (لَوْ سَعَّرْت) التَّسْعِيرُ: هُوَ أَنْ يَأْمُرَ السُّلْطَانُ أَوْ نُوَّابُهُ أَوْ كُلُّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ أَمْرًا أَهْلَ السُّوقِ أَنْ لَا يَبِيعُوا أَمْتِعَتَهُمْ إلَّا بِسِعْرِ كَذَا، فَيُمْنَعُوا مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ أَوْ النُّقْصَانِ لِمَصْلَحَةٍ قَوْلُهُ: (الْمُسَعِّرُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُسَعِّرَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهَا لَا تَنْحَصِرُ فِي التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ الْمَعْرُوفَةِ وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ وَمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهُ عَلَى تَحْرِيمِ التَّسْعِيرِ وَأَنَّهُ مَظْلِمَةٌ وَوَجْهُهُ أَنَّ النَّاسَ مُسَلَّطُونَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ، وَالتَّسْعِيرُ حَجْرٌ عَلَيْهِمْ، وَالْإِمَامُ مَأْمُورٌ بِرِعَايَةِ مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ نَظَرُهُ فِي مَصْلَحَةِ الْمُشْتَرِي بِرُخْصِ الثَّمَنِ أَوْلَى مِنْ نَظَرِهِ فِي مَصْلَحَةِ الْبَائِعِ بِتَوْفِيرِ الثَّمَنِ وَإِذَا تَقَابَلَ الْأَمْرَانِ وَجَبَ تَمْكِينُ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ الِاجْتِهَادِ لِأَنْفُسِهِمْ، وَإِلْزَامُ صَاحِبِ السِّلْعَةِ أَنْ يَبِيعَ بِمَا لَا يَرْضَى بِهِ مُنَافٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} [النساء: ٢٩] وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ

وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ التَّسْعِيرُ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَرُدُّ عَلَيْهِ وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ حَالَةِ الْغَلَاءِ وَحَالَةِ الرُّخْصِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَجْلُوبِ وَغَيْرِهِ، وَإِلَى ذَلِكَ مَالَ الْجُمْهُورُ وَفِي وَجْهٍ لِلشَّافِعِيَّةِ جَوَازُ التَّسْعِيرِ فِي حَالَةِ الْغَلَاءِ وَهُوَ مَرْدُودٌ

وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا كَانَ قُوتًا لِلْآدَمِيِّ وَلِغَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ وَبَيْنَ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْإِدَامَاتِ وَسَائِرِ الْأَمْتِعَةِ وَجَوَّزَ جَمَاعَةٌ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَئِمَّةِ الزَّيْدِيَّةِ جَوَازَ التَّسْعِيرِ فِيمَا عَدَا قُوتَ الْآدَمِيِّ وَالْبَهِيمَةِ كَمَا حَكَى ذَلِكَ عَنْهُمْ صَاحِبُ الْغَيْثِ وَقَالَ شَارِحُ الْأَثْمَارِ: إنَّ التَّسْعِيرَ فِي غَيْرِ الْقُوتَيْنِ لَعَلَّهُ اتِّفَاقٌ، وَالتَّخْصِيصُ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ، وَالْمُنَاسِبُ الْمَلْغِيُّ لَا يَنْتَهِضُ لِتَخْصِيصِ صَرَائِحِ الْأَدِلَّةِ، بَلْ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ عَلَى فَرْضِ عَدَمِ وُجُودِ دَلِيلٍ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>