٢٢٨٧ - (وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَا: «كُنَّا نُصِيبُ الْمَغَانِمَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ يَأْتِينَا أَنْبَاطٌ مِنْ أَنْبَاطِ الشَّامِ فَنُسْلِفُهُمْ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّيْتِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، قِيلَ: أَكَانَ لَهُمْ زَرْعٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ؟ قَالَا: مَا كُنَّا نَسْأَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ: «كُنَّا نُسْلِفُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّيْتِ وَالتَّمْرِ وَمَا نَرَاهُ عِنْدَهُمْ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا
ــ
[نيل الأوطار]
شُرِعَ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْعَبْدِ غَالِبًا، وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ عَلَى اعْتِبَارِ التَّأْجِيلِ بِمَا أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ السَّلَفَ الْمَضْمُونَ إلَى أَجَلٍ قَدْ أَحَلَّهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَأَذِنَ فِيهِ، ثُمَّ قَرَأَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: ٢٨٢] وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ السَّلَمِ إلَى أَجَلٍ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا مُؤَجَّلًا وَبِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: " لَا تُسْلِفْ إلَى الْعَطَاءِ وَلَا إلَى الْحَصَادِ وَاضْرِبْ أَجَلًا " وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ؛ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ
وَكَذَلِكَ يُجَابُ عَنْ قَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ الَّذِي عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ وَوَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِلَفْظِ: السَّلَمُ بِمَا يَقُومُ بِهِ السِّعْرُ رِبًا، وَلَكِنَّ السَّلَفَ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ " وَقَدْ اخْتَلَفَ الْجُمْهُورُ فِي مِقْدَارِ الْأَجَلِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَجَلِ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ وَقَالَ أَصْحَابُ مَالِكٍ: لَا بُدَّ مِنْ أَجَلٍ تَتَغَيَّرُ فِيهِ الْأَسْوَاقُ، وَأَقَلُّهُ عِنْدَهُمْ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَكَذَا عِنْدَ الْهَادَوِيَّةِ وَعِنْدَ ابْنِ قَاسِمٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَأَجَازَ مَالِكٌ السَّلَمَ إلَى الْعَطَاءِ وَالْحَصَادِ وَمَقْدَمِ الْحَاجِّ، وَوَافَقَهُ أَبُو ثَوْرٍ، وَاخْتَارَ ابْنُ خُزَيْمَةَ تَأْقِيتَهُ إلَى الْمَيْسَرَةِ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ إلَى يَهُودِيٍّ: ابْعَثْ إلَيَّ بِثَوْبَيْنِ إلَى الْمَيْسَرَةِ» وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ، وَطَعَنَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي صِحَّتِهِ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَجَلِ لَا يَنْفِي غَيْرَهُ
وَقَالَ الْمَنْصُورُ بِاَللَّهِ: أَقَلُّهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا، وَقَالَ النَّاصِرُ: أَقَلُّهُ سَاعَةٌ وَالْحَقُّ مَا ذَهَبَتْ إلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِ الْأَجَلِ لِعَدَمِ وُرُودِ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ التَّعَبُّدُ بِحُكْمٍ بِدُونِ دَلِيلٍ، وَأَمَّا مَا يُقَالُ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ مَعَ عَدَمِ الْأَجَلِ أَنْ يَكُونَ بَيْعًا لِلْمَعْدُومِ، وَلَمْ يُرَخَّصْ فِيهِ إلَّا فِي السَّلَمِ، وَلَا فَارِقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْعِ إلَّا الْأَجَلَ فَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الصِّيغَةَ فَارِقَةٌ وَذَلِكَ كَافٍ (وَاعْلَمْ) أَنَّ لِلسَّلَمِ شُرُوطًا غَيْرَ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ مَبْسُوطَةً فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَلَا حَاجَةَ لَنَا فِي التَّعَرُّضِ لِمَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى اشْتِرَاطِ مَعْرِفَةِ صِفَةِ الشَّيْءِ الْمُسْلَمِ فِيهِ عَلَى وَجْهٍ يَتَمَيَّزُ بِتِلْكَ الْمَعْرِفَةِ عَنْ غَيْرِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute